غالبًا ما يتم الترويج لعلاقة المغرب بالثورة الجزائرية من خلال رواية منحازة، يغذيها الخطاب الرسمي المغربي الذي يصوّر محمد الخامس كحليف وفيّ للجزائر في نضالها من أجل الاستقلال. ومع ذلك، فإن تحليلًا دقيقًا للأحداث التاريخية يكشف أن هذا الدعم لم يكن مجانيًا ولا مدفوعًا بروح التضامن، بل كان أداة سياسية بحتة استغلها العرش المغربي لتعزيز نفوذه وتحقيق أطماعه التوسعية على حساب الجزائر المستقلة حديثًا.
دعم مشروط بمصالح استراتيجية
عندما اندلعت ثورة التحرير الجزائرية عام 1954، كان المغرب قد استعاد للتو استقلاله عام 1956. وفي ظل أوضاع داخلية غير مستقرة، سعى محمد الخامس إلى ترسيخ سلطته وإيجاد أوراق ضغط في مفاوضاته مع فرنسا. وهكذا، اعتبر دعم الثورة الجزائرية وسيلةً لتعزيز مكانته على الساحة الدولية، وأداة للمساومة للحصول على تنازلات من باريس، خاصةً فيما يتعلق بالحدود.
قدم المغرب دعمًا محدودًا للثوار الجزائريين، مثل السماح لهم باستخدام أراضيه كقاعدة خلفية، لكنه لم يكن دعمًا غير مشروط. فقد كان هذا الموقف مرتبطًا بحسابات دقيقة، حيث حاول المغرب مقايضة هذا الدعم باعتراف جبهة التحرير الوطني الجزائرية بالمطالب الإقليمية المغربية.
الأطماع التوسعية المغربية في الجزائر
من بين الجوانب التي تغفلها الرواية الرسمية المغربية الطموحات التوسعية للمملكة تجاه الأراضي الجزائرية. فمنذ القرن التاسع عشر، قبل الاستعمار الفرنسي، كانت السلالة العلوية تطمح إلى التوسع شرقًا، مطالبة بمناطق مثل تندوف وبشار. وعندما استعمرت فرنسا الجزائر عام 1830، تم تجميد هذه الطموحات لكنها لم تختفِ تمامًا.
مع حصول الجزائر على استقلالها عام 1962، رأى الملك الحسن الثاني، الذي خلف والده محمد الخامس، أن الوقت قد حان "لاستعادة" هذه الأراضي، مما أدى إلى اندلاع حرب الرمال عام 1963، حيث حاول المغرب فرض مطالبه بالقوة. كشفت هذه الحرب الوجه الحقيقي للدبلوماسية المغربية: دعمٌ مزعومٌ لاستقلال الجزائر من جهة، ومحاولةٌ لاقتطاع أجزاء من أراضيها من جهة أخرى.
دعم انتقائي وانتهازي
على عكس الرواية المغربية الرسمية، لم يكن المغرب الداعم الرئيسي للثورة الجزائرية. فقد كانت مصر جمال عبد الناصر هي التي قدمت الدعم الأكثر أهمية، سواء على المستوى العسكري أو الدبلوماسي.
لم يسمح المغرب باستخدام أراضيه لنقل الأسلحة إلا وفقًا لمصالحه الخاصة. وتجدر الإشارة إلى أن كل شحنة تمر عبر أراضيه كانت تخضع لاقتطاع ممنهج، يتراوح بين 10% و30% من الأسلحة المنقولة. بل إن المغرب كان أحيانًا يصادر شحنات كاملة عندما تكون أسلحتها حديثة، ليقوم باستبدالها بأسلحة تعود إلى الحرب العالمية الثانية قبل تسليمها لجيش التحرير الوطني. وتشير الوثائق التاريخية أيضًا إلى أن المغرب مارس ضغوطًا على جبهة التحرير الوطني، مشروطًا دعمه باعتراف الجزائر بحدود مغربية موسعة. هذا السلوك يثبت أن دعم محمد الخامس لم يكن نابعا من قناعة راسخة أو التزام صادق بالمبادئ الثورية، بل كان جزءًا من حسابات سياسية وتوسعية.
عندما سعى الحسن الثاني إلى إضعاف الجزائر المستقلة
إحدى الشهادات الأكثر دلالة على هذه الإزدواجية المغربية جاءت من الجنرال شارل ديغول نفسه. ففي مذكراته، تحدث عن نقاش مثير للجدل مع الملك الحسن الثاني، حيث حاول الأخير إقناع فرنسا بإعادة رسم حدود الجزائر قبل استقلالها.
وفقًا للحسن الثاني، فإن الجزائر المستقلة ستصبح "سرطانًا" في إفريقيا وتهدد الاستقرار الإقليمي. لذا، دعا فرنسا إلى تعزيز قوة المغرب ليكون بمثابة حاجز ضد "جزائر ثورية" تسعى إلى إنهاء النفوذ الفرنسي في القارة.
تكشف هذه التصريحات حقيقة النظرة المغربية إلى الثورة الجزائرية: لم يكن المغرب يرى في الجزائر شريكًا في النضال ضد الاستعمار، بل خصمًا مستقبليًا يجب إضعافه واحتواؤه.
اعتقال قادة جبهة التحرير الوطني عام 1956
وفقًا لمحمد حسنين هيكل، لعب ولي العهد الحسن الثاني دورًا رئيسيًا في اعتقال قادة جبهة التحرير الوطني عام 1956. في البداية، كان من المقرر أن يستقل جميع قادة جبهة التحرير الوطني نفس الطائرة للسفر من الرباط إلى تونس. إلا أنه في اللحظة الأخيرة، غيّر الحسن الثاني خططه وأخبر قادة جبهة التحرير الوطني بأنه لن يسافر معهم. وبعد وقت قصير من إقلاع الطائرة، اعترضها الجيش الفرنسي، وكانت تقل كلًّا من أحمد بن بلة، وحسين آيت أحمد، ومحمد بوضياف، ومصطفى الأشرف، ومحمد خيضر.
أثار هذا الاعتراض، الذي سهلته المخابرات الفرنسية، شكوكًا حول تواطؤ ولي العهد المغربي مع السلطات الفرنسية. ويرى البعض أن هذه الخطوة كانت تهدف إلى تهدئة العلاقات الفرنسية المغربية، التي كانت متوترة آنذاك، مقابل الحصول على امتيازات دبلوماسية للمغرب. بينما يعتبرها آخرون خيانة للقضية الجزائرية، التي كانت تعتمد على دعم الدول المجاورة في كفاحها من أجل الاستقلال.
المفارقة: دعم الجزائر للبوليساريو
اليوم، يستخدم النظام المغربي هذه الروايات التاريخية لتبرير موقفه من قضية الصحراء الغربية، مدعيًا أن دعم الجزائر لجبهة البوليساريو خيانة "للأخوة المغاربية".
لكن هذه المقارنة مضللة. فالمغرب لم يدعم استقلال الجزائر عن قناعة مبدئية، بل من منطلق براغماتي بحت، بينما تدعم الجزائر حق الصحراويين في تقرير المصير استنادًا إلى نفس المبدأ الذي دافعت عنه خلال ثورتها التحريرية. الفرق جوهري: المغرب استخدم الثورة الجزائرية كوسيلة للضغط، بينما تدعم الجزائر البوليساريو كجزء من التزامها بمناهضة الاستعمار.
خاتمة: تزييف التاريخ في خدمة المصالح المغربية
الادعاء بأن محمد الخامس كان المدافع الأول عن القضية الجزائرية هو مجرد اختلاق سياسي يهدف إلى منح المغرب شرعية تاريخية في المنطقة. لكن الحقائق تثبت أن الدعم المغربي كان مشروطًا بمصالح استراتيجية، وليس تضامنًا حقيقيًا.
إن التاريخ الحقيقي للعلاقات الجزائرية-المغربية هو تاريخ من المناورات السياسية والمصالح المتضاربة. فقد سعى المغرب إلى استغلال الثورة الجزائرية لخدمة أجندته التوسعية، محاولًا إقناع القوى الاستعمارية بأنه الحليف الأكثر موثوقية في شمال إفريقيا. وهذه العقلية لا تزال قائمة إلى اليوم، مما يفسر استمرار التوترات بين البلدين.
لقد آن الأوان لإعادة قراءة التاريخ بعيدًا عن الدعاية السياسية، والاعتراف بأن المغرب لم يكن يومًا نصيرًا للثورة الجزائرية، بل كان لاعبًا يبحث عن مصلحته الخاصة، حتى على حساب "الأشقاء" الذين كانوا يخوضون نضالهم الأعظم ضد الاستعمار.
بلقاسم مرباح
المصادر :
- شارل ديغول، مذكرات الأمل (1970-1971) – يروي ديغول في هذا الكتاب تأملاته حول نهاية الإمبراطورية الاستعمارية ومحادثاته مع مختلف القادة.
- جان لاكوتور، ديغول: السيادي (1959-1970) (1986) – سيرة تفصيلية للجنرال تتناول علاقاته المعقدة مع قادة المغرب العربي.
- بيير فيرميران، المغرب في مرحلة انتقالية (2002) – مؤرخ متخصص في شؤون المغرب العربي، يحلل استراتيجيات المغرب الدبلوماسية خلال تلك الفترة.
تعليقات
إرسال تعليق