التخطي إلى المحتوى الرئيسي

روسيا والجزائر: شراكة استراتيجية ومواقف متقاربة على الساحة الدولية

 تواصل العلاقات بين روسيا والجزائر تطورها بشكل ملحوظ، سواء على المستوى الثنائي أو فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية. وخلال زيارته إلى الجزائر، أكد نائب رئيس الوزراء الروسي دميتري باتروشيف أن مواقف البلدين متقاربة بشأن معظم القضايا المطروحة على الأجندة الدولية. وجاءت هذه التصريحات بعد محادثاته مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مما يعكس عمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين ورغبتهما في تعزيز التعاون في مختلف المجالات.


شراكة استراتيجية تعكس رؤية مشتركة

تتمتع روسيا والجزائر بعلاقات دبلوماسية متينة تمتد لعقود طويلة، حيث دعمت موسكو الجزائر منذ استقلالها عام 1962، وخاصة في المجالات العسكرية والاقتصادية. واليوم، تترجم هذه العلاقة من خلال توافق الرؤى بين البلدين حول القضايا الجيوسياسية الكبرى.

وأشار باتروشيف إلى الطبيعة الاستراتيجية للعلاقات بين موسكو والجزائر، مؤكداً أن البلدين يشتركان في وجهات نظر متشابهة حول قضايا مثل تعدد الأقطاب، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والحاجة إلى نظام عالمي أكثر توازناً.

تعاون اقتصادي وصناعي متزايد

خلال زيارته، بحث نائب رئيس الوزراء الروسي مع المسؤولين الجزائريين عدة مجالات للتعاون الاقتصادي، لا سيما في القطاعات المالية والصناعية والطاقة والزراعة.

1. الطاقة: شراكة قوية في قطاع المحروقات

تُعد الجزائر أحد أبرز مصدري الغاز الطبيعي إلى أوروبا، بينما تلعب روسيا، من خلال شركتي "غازبروم" و"روسنفت"، دوراً هاماً في تعزيز التعاون مع شركة "سوناطراك" الجزائرية. وتزداد أهمية هذا التعاون في ظل الأوضاع الراهنة في أسواق الطاقة العالمية، حيث يُعتبر البلدان فاعلين رئيسيين في سوق النفط والغاز.

كما أن الجزائر وروسيا تتشاركان في مواقف متطابقة داخل منظمة أوبك+، حيث تعملان معاً لتنظيم الإنتاج وضمان استقرار أسعار النفط، مما يعزز التحالف الاقتصادي بينهما.

2. الصناعة والمالية: فرص جديدة للتنمية

يُعتبر القطاع الصناعي مجالاً آخر رئيسياً للتعاون، حيث تسعى الجزائر إلى تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على المحروقات، بينما تقدم روسيا خبرتها في مجالات مثل التعدين، والصناعات الثقيلة، وتصنيع الآلات.

أما في المجال المالي، فقد ناقش الجانبان سبل تعزيز الاستثمارات المشتركة وتوسيع نطاق التبادل التجاري باستخدام العملات المحلية، في خطوة تهدف إلى تقليل الاعتماد على الدولار واليورو.

3. الزراعة: تعاون متزايد لضمان الأمن الغذائي

يشهد القطاع الزراعي في الجزائر تطوراً ملحوظاً، وتلعب روسيا، باعتبارها أكبر مصدر للقمح في العالم، دوراً حيوياً في تزويد الجزائر بالحبوب. وخلال الزيارة، تم بحث إمكانية توسيع التعاون الزراعي لضمان الأمن الغذائي وتعزيز قدرات الجزائر في هذا المجال.

توافق جيوسياسي على الساحة الدولية

إلى جانب التعاون الاقتصادي، تتقاطع مواقف روسيا والجزائر حول العديد من القضايا الدولية.

1. تعدد الأقطاب ورفض الهيمنة الغربية

يدافع البلدان عن نظام عالمي متعدد الأقطاب، حيث لا تهيمن عليه قوة واحدة. ويعكس هذا التوجه تنسيقهما المتزايد في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، حيث يدعمان احترام القانون الدولي وسيادة الدول.

2. التنسيق في إفريقيا والشرق الأوسط

تتقارب مواقف موسكو والجزائر بشأن العديد من الأزمات الإقليمية، مثل الوضع في ليبيا ومالي وسوريا. فالجزائر، باعتبارها قوة دبلوماسية إقليمية، تعمل جنباً إلى جنب مع روسيا لتعزيز الاستقرار ومحاربة الإرهاب في إفريقيا.

أما القضية الفلسطينية، فهي من القضايا التي تحظى باهتمام مشترك، حيث يدعم البلدان بشكل واضح الحقوق الفلسطينية ويدعوان إلى إيجاد حل عادل ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

3. الدفاع والأمن: تعاون عسكري وثيق

تُعد الجزائر واحدة من أهم شركاء روسيا في المجال العسكري، حيث تعتمد قواتها المسلحة بشكل كبير على المعدات الروسية. كما شهدت السنوات الأخيرة مناورات عسكرية مشتركة بين البلدين، مما يعكس التنسيق الوثيق بينهما في المجال الأمني، خاصة في ظل التحديات الأمنية المتزايدة في إفريقيا.

آفاق مستقبلية واعدة للعلاقات الروسية الجزائرية

تشكل زيارة دميتري باتروشيف إلى الجزائر خطوة جديدة نحو تعزيز العلاقات بين البلدين. وتعكس الرغبة المشتركة في تطوير التعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة والأمن مدى الأهمية الاستراتيجية لهذا التحالف.

وفي ظل التحولات الجيوسياسية العالمية، تبدو روسيا والجزائر حليفين طبيعيين يشتركان في رؤية مشتركة لعالم أكثر توازناً. ومن المتوقع أن تستمر هذه الشراكة في التوسع خلال السنوات القادمة، مما سيؤدي إلى تعميق التعاون في مختلف المجالات وتعزيز مكانة البلدين على الساحة الدولية.

ختاماً، فإن العلاقات بين موسكو والجزائر تواصل تطورها بوتيرة متسارعة، مما يعكس توافق المصالح بين البلدين وسعيهما إلى بناء نظام عالمي أكثر عدالة واستقراراً.


 بلقاسم مرباح

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نداء لطرد المغاربة المقيمين بشكل غير قانوني في الجزائر

وقع على العريضة إذا كنت توافق https://www.mesopinions.com/petition/politique/appel-solennel-expulsion-marocains-situation-irreguliere/232124   السيد الرئيس، أيها المواطنون الأعزاء، نحن نواجه وضعًا حرجًا يتطلب استجابة حازمة وحاسمة. إن وجود أكثر من 1.2 مليون من المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني على أراضينا يشكل تهديدًا للأمن القومي، والاقتصاد، والتماسك الاجتماعي لبلدنا. يجب علينا أن نتحرك بعزم لحماية أمتنا وضمان مستقبل آمن ومزدهر لجميع الجزائريين. الأمن القومي في خطر تم الكشف عن وجود علاقات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمغرب. وتشير التقارير إلى أن الموساد يقوم بتجنيد واسع النطاق في الجالية المغربية، لا سيما في فرنسا. لا يمكننا استبعاد إمكانية حدوث أنشطة مشابهة على أرضنا، مما يهدد أمننا القومي. كدولة ذات سيادة، لا يمكننا التسامح مع وجود أفراد يمكن أن يعرضوا أمننا واستقرارنا للخطر. التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية تشكل تدفقات العملة الصعبة بشكل غير قانوني نحو تونس ليتم تحويلها إلى المغرب عبر البنوك المغربية هروبًا غير مقبول لرؤوس الأموال. بالإضافة إلى ذلك، فإن تورط بعض أعضاء ...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...

الطموحات التوسعية للمغرب خلال حرب التحرير الوطني: تحليل وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي لعام 1957

 تكشف وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي، مؤرخة في 16 ديسمبر 1957، عن الطموحات التوسعية للمغرب تجاه الجزائر في خضم حرب الاستقلال. تلقي هذه الوثيقة ضوءًا جديدًا على العلاقات المعقدة بين البلدين وتتناقض جزئيًا مع السرد التاريخي الذي يتم تدريسه في الجزائر، والذي يشير إلى دعم غير مشروط من المغرب للثورة الجزائرية. في النسخة الرسمية لتاريخ حرب التحرير الوطني، كما يتم تقديمها في المدارس الجزائرية، يُصوَّر المغرب، تحت حكم الملك محمد الخامس، كحليف قوي في النضال من أجل استقلال الجزائر. يبرز هذا السرد وحدة الشعبين المغربي والجزائري في كفاحهما ضد الاستعمار الفرنسي. ومن الصحيح أن الثوار الجزائريين رأوا في بداية الأمر أن نضالهم جزء من حركة تحرير مغاربية أوسع (تونس – الجزائر – المغرب). على سبيل المثال، هجوم شمال قسنطينة في أغسطس 1955، الذي تم تنفيذه ردًا على نفي السلطان المغربي إلى مدغشقر، يوضح هذه التضامن الإقليمي. ومع ذلك، كانت سنة 1956 نقطة تحول حاسمة في العلاقات بين الجزائر والمغرب. خلال هذه الفترة، حصل المغرب وتونس على استقلالهما بعد مفاوضات مباشرة مع فرنسا، تاركين الجزائر تواصل نضالها المسلح...