الاتفاق بين الجزائر والولايات المتحدة في مجال الدفاع: إعادة ترتيب الأوراق الاستراتيجية التي تقلق موسكو
يمثل الاتفاق الموقّع مؤخرًا بين الجزائر والولايات المتحدة في مجال الدفاع خطوة مهمة في العلاقات بين البلدين. وعلى الرغم من عدم الكشف عن تفاصيل هذا الاتفاق بشكل دقيق، إلا أنه من الواضح أنه يهدف إلى وضع آليات تعاون لتعزيز الجهود المشتركة في مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات في شمال إفريقيا، وخاصة في منطقة الساحل الاستراتيجية. ومع ذلك، فإن هذا التقارب قد يثير مخاوف موسكو، التي كانت تقليديًا شريكًا رئيسيًا للجزائر، وقد تجد نفسها في مواجهة تغير في أولويات الجزائر الاستراتيجية.
السياق الاستراتيجي: تعاون عسكري متزايد
لطالما اعتمدت الجزائر، كقوة إقليمية رئيسية وفاعل محوري في مكافحة انعدام الأمن في الساحل، على شراكات عسكرية متنوعة للحفاظ على استقلالها الاستراتيجي. ويأتي الاتفاق مع واشنطن في هذا الإطار، حيث يعكس رغبة الجزائر في تنويع شراكاتها الدولية والتعاون بشكل أوسع مع الولايات المتحدة، بما يتجاوز العلاقات التقليدية التي تربطها بروسيا، المزود الرئيسي لها بالأسلحة.
من المحتمل أن يشمل هذا التعاون مجالات متعددة مثل التدريب العسكري، تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتنسيق في مكافحة التهديدات العابرة للحدود مثل الإرهاب والاتجار بالمخدرات. وتجدر الإشارة إلى أن وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية (DEA) تلعب دورًا مهمًا في التحقيق في شبكات تهريب المخدرات في شمال إفريقيا، وهي منطقة غالبًا ما تُتهم فيها المغرب بالضلوع في أنشطة مشبوهة مرتبطة بهذه الظاهرة. وتبدو واشنطن أكثر ميلًا للتعاون مع الجزائر، التي تُعتبر شريكًا موثوقًا وجادًا.
ردة الفعل الروسية: شعور بالتهميش؟
لم يمر الاتفاق بين الجزائر والولايات المتحدة دون أن يثير انتباه موسكو. فروسيا، الحليف التقليدي للجزائر منذ حقبة الحرب الباردة، قد تنظر إلى هذا التقارب على أنه محاولة من الجزائر لتنويع تحالفاتها الاستراتيجية أو حتى الابتعاد عن النفوذ الروسي. قد يُفهم هذا التوجه على أنه إشارة من الجزائر إلى استيائها من مواقف موسكو الغامضة تجاه بعض القضايا الحساسة، خاصة قضية الصحراء الغربية.
في هذا السياق، لم تُبدِ روسيا دعمًا قويًا وواضحًا لمواقف الجزائر في مجلس الأمن بشأن الصحراء الغربية، حيث فضّلت تبني موقف محايد في كثير من الأحيان، وهو ما يمكن تفسيره بأنه يخدم المصالح المغربية بشكل غير مباشر. هذا التردد الروسي ربما أثار إحباط الجزائر، التي تعتبر الدفاع عن حقوق الشعب الصحراوي أولوية دبلوماسية. ومن هذا المنطلق، قد يكون الاتفاق مع واشنطن وسيلة للضغط على موسكو، لتذكيرها بأن الجزائر لديها خيارات استراتيجية أخرى.
الجزائر في قلب المشهد الإفريقي والساحلي
تمتد أهمية الجزائر بالنسبة لروسيا إلى ما هو أبعد من العلاقات الثنائية. فالجزائر تُعتبر لاعبًا رئيسيًا في إفريقيا، وخاصة في منطقة الساحل، التي تُعد منطقة حيوية للمصالح الروسية في إطار مساعيها لتعزيز نفوذها على القارة. مع توسع وجود مجموعة "فاغنر" الروسية ومبادرات أخرى في إفريقيا، تسعى موسكو لتعزيز موقعها الجيوسياسي. لكن هذه الجهود تعتمد على شراكات قوية، والجزائر، بحكم موقعها الجغرافي وقدراتها العسكرية، تُعد شريكًا لا غنى عنه.
إذا عززت الجزائر تعاونها مع واشنطن، فإن ذلك قد يضعف النفوذ الروسي في المنطقة. ولا يمكن لموسكو تحمل فقدان شريك استراتيجي مثل الجزائر في وقت تسعى فيه لمنافسة النفوذ الغربي في إفريقيا.
رسالة استراتيجية من الجزائر
من خلال توقيع هذا الاتفاق مع الولايات المتحدة، يبدو أن الجزائر ترسل رسالة مزدوجة. فمن جهة، تؤكد على استقلاليتها الاستراتيجية ورفضها الانحياز الكامل لأي شريك دولي. ومن جهة أخرى، تُذكّر روسيا بأن العلاقة الثنائية لا يمكن أن تكون من طرف واحد، وأن الدعم المطلوب من موسكو في قضايا حساسة مثل الصحراء الغربية غير قابل للتهاون.
عبر موازنة علاقاتها مع واشنطن وموسكو، تسعى الجزائر أيضًا إلى تعزيز قدرتها على المناورة الاستراتيجية. هذا التوجه يسمح لها بضمان أن مصالحها الوطنية تؤخذ بعين الاعتبار، سواء من قبل شركائها الغربيين أو حلفائها التقليديين.
خاتمة
يشكل الاتفاق الموقع بين الجزائر والولايات المتحدة تطورًا مهمًا في المشهد الجيوسياسي لشمال إفريقيا ومنطقة الساحل. وبينما يعزز الجهود المشتركة لمكافحة تهديدات مثل الإرهاب وتهريب المخدرات، فإنه يمثل خطوة ضمن استراتيجية الجزائر لتحقيق توازن في شراكاتها الدولية. بالنسبة لروسيا، يعد هذا التقارب إشارة تحذيرية بضرورة إعادة تقييم علاقتها مع الجزائر وتقديم دعم أكبر لها في الملفات الحساسة. في ظل التنافس المتزايد بين القوى الكبرى، يبدو أن الجزائر، بفضل سياستها المتوازنة واستقلالها الاستراتيجي، عازمة على حماية مصالحها الوطنية والاستفادة القصوى من موقعها الجغرافي المميز.
بلقاسم مرباح
نحن الجزائرين ولدنا احرار وسوف نبقى احرار قال ممثلي الرئيس تبون في الدوما الروسي وامام الرئيس الروسي وكل من كان خاضر وسمعها كل العالم
ردحذف