على مدى عقود، روجت السلطات المغربية وبعض وسائل الإعلام لفكرة أن الجزائر تسعى إلى تحقيق طموح استراتيجي يتمثل في الحصول على منفذ مباشر إلى المحيط الأطلسي. هذا الخطاب، الذي يتسم بالمبالغة وغياب الأسس الاقتصادية والجيوسياسية الواقعية، يُستخدم في الغالب لتبرير ادعاءات المغرب بشأن الصحراء الغربية. ومع التمحيص، يتضح أن هذا الادعاء يفتقر إلى أي أسس واقعية، بل يُعتبر أداة خطابية تهدف إلى شرعنة السياسة المغربية في المنطقة.
1. السردية المغربية: خيال جيوسياسي
تسعى الرواية المغربية إلى تصوير الجزائر على أنها تمتلك طموحات توسعية، مشيرة إلى أن دعمها للشعب الصحراوي وحقه في تقرير المصير ينبع من مصالح استراتيجية خفية بدلاً من مبادئ العدالة أو القانون الدولي.
ومع ذلك، هذا الادعاء لا يستند إلى أي وقائع:
- الجزائر تمتلك بالفعل واجهة بحرية واسعة. فمع أكثر من 1600 كيلومتر من الساحل المطل على البحر الأبيض المتوسط، تتمتع الجزائر بموقع استراتيجي يمكنها من الوصول إلى أهم طرق التجارة العالمية.
- الصحراء الغربية ليست ذات أهمية اقتصادية للجزائر. على عكس الادعاءات المغربية، لم تعبر الجزائر قط عن حاجتها إلى الوصول إلى المحيط الأطلسي عبر هذه المنطقة. دعم الجزائر للقضية الصحراوية يتماشى مع التزامها التاريخي بدعم حركات التحرر واحترام قرارات الأمم المتحدة.
الرواية المغربية تُحرف الحقائق التاريخية والجيوسياسية لتبرير احتلالها للصحراء الغربية، بينما تسعى إلى تشويه صورة الجزائر على الساحة الدولية.
2. الحقائق الجغرافية والاستراتيجية: تفنيد للادعاءات
أ. الموقع الاستراتيجي للجزائر على البحر الأبيض المتوسط
تتمتع الجزائر بموقع استراتيجي متميز على البحر الأبيض المتوسط، الذي يُعتبر أحد أكثر الممرات البحرية ازدحاماً في العالم. تُظهر البيانات الأخيرة عن تدفقات التجارة أن الموانئ الجزائرية مثل الجزائر العاصمة، ووهران، وبجاية توفر روابط فعالة مع الأسواق الأوروبية والآسيوية والأفريقية.
البحر الأبيض المتوسط له أهمية كبيرة في التجارة العالمية:
- يربط بين قناة السويس ومضيق جبل طارق، وهما من أهم النقاط البحرية الحيوية.
- يستضيف أهم الموانئ في جنوب أوروبا (مثل مرسيليا، وفالنسيا، وبرشلونة) التي تُعد مراكز رئيسية للتجارة بين القارات.
في هذا السياق، ليس للجزائر أي حاجة للسعي إلى منفذ على الأطلسي، حيث لن يقدم أي فوائد إضافية تُذكر مقابل التكلفة الاقتصادية واللوجستية.
ب. قرب وهران من المحيط الأطلسي
ميناء وهران، وهو ثاني أكبر مركز اقتصادي في الجزائر، يبعد حوالي 7 ساعات فقط بالبر عن المحيط الأطلسي عبر المغرب. هذه المسافة في عالم النقل الحديث تُعتبر غير ذات أهمية لنقل البضائع. ومع البنية التحتية المناسبة من الطرق والسكك الحديدية، يمكن للجزائر أن تربط منتجاتها بالمحيط الأطلسي عبر الموانئ المغربية إذا دعت الحاجة، مما يجعل المنفذ المباشر غير ضروري.
ج. الأطلسي: صحراء بحرية
على عكس الاعتقاد السائد، فإن الساحل الأطلسي الأفريقي، بما في ذلك الساحل المغربي، يُعتبر "صحراء بحرية". فلا يوجد أي من الموانئ المائة الأكثر أهمية في العالم يقع على هذا الساحل. على سبيل المثال:
- المغرب، رغم امتلاكه موانئ حديثة مثل ميناء طنجة المتوسط، لا يمكنه منافسة المراكز الرئيسية في البحر الأبيض المتوسط مثل مرسيليا أو برشلونة.
- أحجام التجارة عبر الأطلسي في أفريقيا تُعتبر منخفضة نسبياً مقارنة بمناطق أخرى، مما يعكس ضعف اندماج هذه المنطقة في شبكات الشحن العالمية.
تثبت هذه الحقائق أن الوصول إلى الأطلسي لن يوفر للجزائر أي ميزة استراتيجية أو اقتصادية تُذكر.
3. الواجهة الأطلسية: مبرر لقضية الصحراء الغربية
يستغل المغرب حجة رغبة الجزائر المزعومة في الوصول إلى الأطلسي لتبرير احتلاله للصحراء الغربية. وتستند هذه الاستراتيجية إلى مجموعة من الادعاءات الكاذبة:
- تشويه دعم الجزائر. من خلال اتهام الجزائر بالسعي إلى منفذ أطلسي، يحاول المغرب تحويل الانتباه عن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، وهو حق مكفول بالقانون الدولي ومعترف به من قبل الأمم المتحدة.
- شرعنة الاحتلال. عبر تصوير الجزائر كتهديد استراتيجي، يسعى المغرب إلى تعزيز خطابه الوطني لتبرير ضمه للصحراء الغربية.
هذا الخطاب يُعد جزءاً من حملة دعائية أوسع تهدف إلى التأثير على الرأي العام داخلياً ودولياً.
4. الأكاذيب الاقتصادية والاستراتيجية المغربية
أ. واقع الموانئ المغربية
رغم الاستثمارات الكبيرة في الموانئ المغربية مثل طنجة المتوسط، تبقى هذه المرافق لاعباً ثانوياً مقارنة بالمراكز العالمية الكبرى في البحر الأبيض المتوسط وشمال أوروبا.
ب. الأهمية الاقتصادية المحدودة للأطلسي
المحيط الأطلسي ليس أولوية بالنسبة لأوروبا وشمال أفريقيا. على سبيل المثال:
- إسبانيا، رغم امتلاكها لساحل أطلسي واسع، تركز تجارتها على موانئ البحر الأبيض المتوسط مثل فالنسيا وبرشلونة.
- فرنسا تعتمد بشكل أساسي على ميناء لوهافر، الواقع على القناة الإنجليزية بالقرب من بحر الشمال، بينما تترك واجهتها الأطلسية دون استغلال كبير.
تؤكد هذه الأمثلة أن الأطلسي لا يحمل أهمية استراتيجية كبيرة كما تدعي الرواية المغربية.
الخلاصة: خطاب زائف متعمد
الادعاء بأن الجزائر تسعى للوصول إلى المحيط الأطلسي هو مجرد أسطورة تروج لها المغرب لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، خاصة تبرير احتلالها للصحراء الغربية. هذا الخطاب مبني على حجج لا أساس لها تنهار عند مواجهة الحقائق الاقتصادية والجغرافية والاستراتيجية.
في الواقع، الجزائر ليست بحاجة أو مهتمة بالوصول إلى الأطلسي نظراً لموقعها المتميز على البحر الأبيض المتوسط. الرواية المغربية تخدم كأداة للتلاعب والتضليل، تهدف إلى صرف الانتباه عن حقوق الشعب الصحراوي المشروعة وتبرير الطموحات الإقليمية المغربية في الصحراء الغربية.
بلقاسم مرباح
تعليقات
إرسال تعليق