التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كزافييه دريانكور توقع سقوط الجزائر، لكن فرنسا هي التي تنهار!

لا تزال العلاقات بين الجزائر وفرنسا محط اهتمام كبير بسبب تعقيداتها التاريخية وتأثيرها على السياقات الوطنية لكل منهما. في يناير 2023، أثارت مقابلة أجراها السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر، كزافييه دريانكور، مع صحيفة لوفيغارو جدلًا واسعًا، حيث تنبأ بانهيار وشيك للجزائر. هذه التصريحات، التي واجهت رفضًا كبيرًا، توفر إطارًا مناسبًا لتحليل مسارات البلدين السياسية والاقتصادية في سياق التوترات المتزايدة.


1. انتقادات دريانكور: قراءة منحازة؟

في تصريحاته، أعرب دريانكور عن شكوكه حول الاستقرار السياسي في الجزائر، واصفًا إياها بالدولة القريبة من الانهيار. تبدو هذه الرؤية مشحونة بالأحكام المسبقة ذات الطابع الاستعماري، التي غالبًا ما يتم الترويج لها في بعض الأوساط السياسية الفرنسية. لكن في الواقع، الانتخابات الرئاسية الجزائرية في سبتمبر 2022، التي أُعيد فيها انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون، جرت في ظل مناخ من الاستقرار المؤسسي المتزايد رغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

وفقًا لمراقبين دوليين، فإن جهود التحديث ومكافحة الفساد التي بدأتها الحكومة الجزائرية منذ عام 2019 تعكس إرادة واضحة لتحقيق إصلاحات مستدامة (أمنيستي إنترناشونال، 2023). هذه المعطيات تتناقض مع فكرة الانهيار الوشيك التي يروج لها بعض المحللين الناقدين للنظام الجزائري.

2. صمود الجزائر أمام التدخلات الخارجية

لم تُفلح محاولات زعزعة الاستقرار من خلال دعم بعض الأصوات المعارضة، مثل كمال داود وبوعلام صنصال، في التأثير على وحدة الجزائر الوطنية. غالبًا ما تستهدف هذه المبادرات إعادة النظر في السيادة الوطنية وإثارة التوترات التاريخية. ومع ذلك، أظهر الجزائريون صمودًا ملحوظًا يعكس التزامهم بالدفاع عن وحدة أراضيهم واستمرارية مؤسساتهم السياسية (شريف، 2022).

3. الوضع في فرنسا: بين الأزمات السياسية والاجتماعية

على النقيض من الانتقادات الموجهة للجزائر، تعيش فرنسا فترة من الاضطرابات الداخلية. انهيار حكومة ميشيل بارنييه في عام 2024 بعد ثلاثة أشهر فقط من تشكيلها يبرز مدى التوتر السياسي الداخلي وصعوبة تحقيق أغلبية مستقرة (لوموند، 2024).

على الصعيد الاجتماعي، يُظهر تقرير مرصد عدم المساواة (2023) زيادة كبيرة في معدل الفقر بفرنسا. فقد بلغ عدد الفرنسيين الذين يعيشون تحت خط الفقر 5.1 مليون شخص في عام 2022، مقارنة بـ 3.7 مليون في عام 2002. هذه الأرقام تسلط الضوء على هشاشة السياسات الاجتماعية في ظل تنامي التحديات الاقتصادية.

4. إخفاقات السياسة الخارجية الفرنسية

تعكس الخيارات الدبلوماسية الأخيرة لفرنسا، لا سيما دعمها للمغرب في قضية الصحراء الغربية، استراتيجية قصيرة النظر تُفاقم التوترات مع الجزائر. يُنظر إلى هذا الموقف، الذي يُعزى إلى ضغوط داخلية وخارجية، باعتباره إخفاقًا دبلوماسيًا يعمق الخلافات الثنائية (مجموعة الأزمات الدولية، 2023).

علاوة على ذلك، فإن اعتماد فرنسا المتزايد على تحالفات مشكوك فيها، وخاصة مع أنظمة متهمة بانتهاك حقوق الإنسان، يعكس تراجعًا في القيادة الأخلاقية لفرنسا على الساحة الدولية.

5. الجزائر بين التحديات العالمية والإقليمية

على عكس الصورة التي رسمها دريانكور، تثبت الجزائر أنها لاعب رئيسي في المنطقة، خاصة في شمال إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط. تسعى الجزائر إلى تعزيز التعاون في قطاع الطاقة وتنويع اقتصادها، مما يشير إلى إرادة قوية لتحقيق الاستقرار والتنمية طويلة الأجل (مجموعة أكسفورد للأعمال، 2023).

الخاتمة: قراءة معكوسة لديناميكيات الانهيار

تبدو توقعات كزافييه دريانكور بشأن انهيار الجزائر غير قائمة على أسس موضوعية. على العكس، تواجه فرنسا نفسها أزمة داخلية عميقة تتسم بعدم الاستقرار السياسي والتحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة. تسلط هذه التطورات الضوء على الحاجة الملحة لإعادة صياغة العلاقات بين الجزائر وفرنسا على أساس الاحترام المتبادل ورؤية مشتركة للتعاون المستدام.

بلقاسم مرباح



المراجع

  • أمنيستي إنترناشونال. (2023). تقرير حول أوضاع حقوق الإنسان في الجزائر.
  • شريف، س. (2022). "الجزائر بعد الحراك: تحديات وفرص." المجلة المغاربية للعلوم الاجتماعية، 12(4)، 45-67.
  • مجموعة الأزمات الدولية. (2023). فرنسا والجزائر: علاقة متصدعة.
  • لوموند. (2024). "الأزمة السياسية في فرنسا: استقالة ميشيل بارنييه بعد 90 يومًا."
  • مرصد عدم المساواة. (2023). التقرير السنوي حول عدم المساواة الاجتماعية في فرنسا.
  • مجموعة أكسفورد للأعمال. (2023). التوقعات الاقتصادية: الجزائر 2023

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نداء لطرد المغاربة المقيمين بشكل غير قانوني في الجزائر

وقع على العريضة إذا كنت توافق https://www.mesopinions.com/petition/politique/appel-solennel-expulsion-marocains-situation-irreguliere/232124   السيد الرئيس، أيها المواطنون الأعزاء، نحن نواجه وضعًا حرجًا يتطلب استجابة حازمة وحاسمة. إن وجود أكثر من 1.2 مليون من المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني على أراضينا يشكل تهديدًا للأمن القومي، والاقتصاد، والتماسك الاجتماعي لبلدنا. يجب علينا أن نتحرك بعزم لحماية أمتنا وضمان مستقبل آمن ومزدهر لجميع الجزائريين. الأمن القومي في خطر تم الكشف عن وجود علاقات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمغرب. وتشير التقارير إلى أن الموساد يقوم بتجنيد واسع النطاق في الجالية المغربية، لا سيما في فرنسا. لا يمكننا استبعاد إمكانية حدوث أنشطة مشابهة على أرضنا، مما يهدد أمننا القومي. كدولة ذات سيادة، لا يمكننا التسامح مع وجود أفراد يمكن أن يعرضوا أمننا واستقرارنا للخطر. التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية تشكل تدفقات العملة الصعبة بشكل غير قانوني نحو تونس ليتم تحويلها إلى المغرب عبر البنوك المغربية هروبًا غير مقبول لرؤوس الأموال. بالإضافة إلى ذلك، فإن تورط بعض أعضاء ...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...

الطموحات التوسعية للمغرب خلال حرب التحرير الوطني: تحليل وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي لعام 1957

 تكشف وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي، مؤرخة في 16 ديسمبر 1957، عن الطموحات التوسعية للمغرب تجاه الجزائر في خضم حرب الاستقلال. تلقي هذه الوثيقة ضوءًا جديدًا على العلاقات المعقدة بين البلدين وتتناقض جزئيًا مع السرد التاريخي الذي يتم تدريسه في الجزائر، والذي يشير إلى دعم غير مشروط من المغرب للثورة الجزائرية. في النسخة الرسمية لتاريخ حرب التحرير الوطني، كما يتم تقديمها في المدارس الجزائرية، يُصوَّر المغرب، تحت حكم الملك محمد الخامس، كحليف قوي في النضال من أجل استقلال الجزائر. يبرز هذا السرد وحدة الشعبين المغربي والجزائري في كفاحهما ضد الاستعمار الفرنسي. ومن الصحيح أن الثوار الجزائريين رأوا في بداية الأمر أن نضالهم جزء من حركة تحرير مغاربية أوسع (تونس – الجزائر – المغرب). على سبيل المثال، هجوم شمال قسنطينة في أغسطس 1955، الذي تم تنفيذه ردًا على نفي السلطان المغربي إلى مدغشقر، يوضح هذه التضامن الإقليمي. ومع ذلك، كانت سنة 1956 نقطة تحول حاسمة في العلاقات بين الجزائر والمغرب. خلال هذه الفترة، حصل المغرب وتونس على استقلالهما بعد مفاوضات مباشرة مع فرنسا، تاركين الجزائر تواصل نضالها المسلح...