التخطي إلى المحتوى الرئيسي

استخدام صواريخ ATACMS: الدعم الأمريكي وتحديات الحرب في أوكرانيا

 بعد شهور طويلة من الطلبات المتكررة الموجهة إلى الولايات المتحدة، تمكنت أوكرانيا في نوفمبر 2024 من الحصول على الإذن باستخدام صواريخ ATACMS بعيدة المدى لاستهداف مواقع روسية داخل الأراضي الروسية. يعتبر هذا القرار نقطة تحول مهمة في الحرب المستمرة، لكنه في الوقت ذاته يواجه تحديات كبيرة تحول دون تحقيق النتائج المرجوة.


السياق العسكري: صواريخ ATACMS وتأثيرها المحتمل

تعتبر صواريخ ATACMS من الأسلحة الفتاكة التي تنتجها الولايات المتحدة، بمدى يصل إلى 305 كيلومترات. كان من المتوقع أن تكون هذه الصواريخ حلاً حاسمًا للقوات الأوكرانية في مواجهة التقدم الروسي، خاصة على عدة محاور رئيسية في الجبهة.

تأمل كييف أن تمكنها هذه الصواريخ من استهداف مراكز لوجستية، مستودعات ذخيرة، مطارات، وحتى مراكز قيادة بعيدة عن خطوط القتال. هذا النوع من العمليات من شأنه إضعاف القدرات اللوجستية والعسكرية الروسية، وتقليل الضغط على الجنود الأوكرانيين، والحفاظ على حياتهم.

الهجمات الأولى: تأثير محلي محدود

بالفعل، استخدمت أوكرانيا صواريخ ATACMS إلى جانب صواريخ SCALP-EG الفرنسية-البريطانية في عدة عمليات ضد أهداف داخل الأراضي الروسية. شملت الهجمات مناطق مثل كورسك وبريانسك، واستهدفت مراكز قيادة، أنظمة دفاع جوي، وأحد المطارات.

وفي خطوة غير معتادة، أظهرت وزارة الدفاع الروسية شفافية نادرة بالكشف عن الأضرار البشرية والمادية الناتجة عن هذه الهجمات. كما استغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا التصعيد لتبرير نشر صاروخ "أورشنك" الجديد كجزء من استراتيجية الردع الروسية.

قيود وتحديات: عدد محدود من الذخائر

رغم الأثر الأولي لهذه الهجمات، سرعان ما برزت تحديات لوجستية واستراتيجية أمام أوكرانيا. وفقًا لمجلة فوربس، لم يكن بحوزة كييف سوى حوالي 50 صاروخًا من نوع ATACMS في منتصف نوفمبر، وهو عدد غير كافٍ لتغطية جميع الأهداف الروسية المهمة ضمن مدى هذه الصواريخ.

وعلى سبيل المقارنة، في الهجوم الروسي الكبير يوم 17 نوفمبر 2024، استخدمت موسكو حوالي 120 صاروخًا و90 طائرة مسيرة، مما يبرز الفارق الكبير في حجم الذخائر المتوفرة للطرفين.

التحديات المتزايدة: أهداف خارج المدى

مع تصاعد استخدام أوكرانيا لصواريخ ATACMS، بدأت روسيا بنقل أهدافها الرئيسية، مثل الطائرات التي تسقط القنابل الموجهة، إلى مواقع بعيدة عن مدى هذه الصواريخ. ورغم أن هذه الخطوة تعقد العمليات اللوجستية الروسية، إلا أنها تقلل فعالية هذه الصواريخ في استهداف المواقع الحساسة.

استمرار الاعتماد على الغرب

منذ نهاية نوفمبر، تراجع استخدام أوكرانيا لصواريخ ATACMS بشكل ملحوظ، باستثناء هجوم منفرد استهدف مطارًا في مدينة تاجانروغ القريبة من الحدود الأوكرانية. وفي حين أن الصواريخ الأمريكية تمكنت من تحقيق بعض النجاحات التكتيكية، مثل تدمير مركز قيادة روسي في منطقة كورسك، إلا أنها لم تكن كافية لتغيير مسار الحرب بمفردها.

كما أشارت تقارير إلى أن أوكرانيا لا تزال بحاجة إلى دعم مستمر من واشنطن للحفاظ على استخدامها لهذه الصواريخ. لكن هذا الدعم قد يكون مهددًا، خاصة مع احتمال عودة دونالد ترامب إلى السلطة في يناير 2025، وهو الذي أعلن مرارًا عزمه على إنهاء النزاع وتقليص الدعم الأمريكي لأوكرانيا.

المستقبل: خيارات محدودة وآفاق غامضة

بحسب تقارير إعلامية روسية مستقلة مثل The Insider، هناك حوالي 30 مستودع ذخيرة ومطارات روسية رئيسية لا تزال ضمن مدى صواريخ ATACMS. لكن تحقيق تقدم ملموس في استهداف هذه المواقع يتطلب استمرار تدفق الإمدادات من الولايات المتحدة.

في الوقت الحالي، تعتمد أوكرانيا بشكل شبه كامل على الإمدادات الغربية لمواصلة مقاومتها العسكرية، ما يجعلها عرضة لتقلبات السياسة الدولية، خاصة في ظل الظروف السياسية المتغيرة في الولايات المتحدة وأوروبا.

ختامًا

تظل صواريخ ATACMS أداة عسكرية فعالة ولكنها ليست كافية بمفردها لتغيير مسار الحرب. يعتمد نجاح أوكرانيا على تحقيق توازن بين تحسين استخدام الموارد المتاحة واستمرار الدعم الغربي. مع ذلك، يبقى مستقبل هذا الدعم غير مضمون، مما يضع كييف في مواجهة تحديات أكبر في الأشهر المقبلة.


بلقاسم مرباح

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نداء لطرد المغاربة المقيمين بشكل غير قانوني في الجزائر

وقع على العريضة إذا كنت توافق https://www.mesopinions.com/petition/politique/appel-solennel-expulsion-marocains-situation-irreguliere/232124   السيد الرئيس، أيها المواطنون الأعزاء، نحن نواجه وضعًا حرجًا يتطلب استجابة حازمة وحاسمة. إن وجود أكثر من 1.2 مليون من المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني على أراضينا يشكل تهديدًا للأمن القومي، والاقتصاد، والتماسك الاجتماعي لبلدنا. يجب علينا أن نتحرك بعزم لحماية أمتنا وضمان مستقبل آمن ومزدهر لجميع الجزائريين. الأمن القومي في خطر تم الكشف عن وجود علاقات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمغرب. وتشير التقارير إلى أن الموساد يقوم بتجنيد واسع النطاق في الجالية المغربية، لا سيما في فرنسا. لا يمكننا استبعاد إمكانية حدوث أنشطة مشابهة على أرضنا، مما يهدد أمننا القومي. كدولة ذات سيادة، لا يمكننا التسامح مع وجود أفراد يمكن أن يعرضوا أمننا واستقرارنا للخطر. التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية تشكل تدفقات العملة الصعبة بشكل غير قانوني نحو تونس ليتم تحويلها إلى المغرب عبر البنوك المغربية هروبًا غير مقبول لرؤوس الأموال. بالإضافة إلى ذلك، فإن تورط بعض أعضاء ...

عبد العزيز رحابي يحلل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

 في مقابلة مع TSA Algérie ، تحدث عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي (EU)، ودور الدبلوماسية الجزائرية وتأثير الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. النقاط الرئيسية في المقابلة مشاكل اتفاقية الشراكة الجزائر-الاتحاد الأوروبي : انتقد رحابي اتفاقية الشراكة موضحًا أنها لم تحقق الأثر المتوقع للجزائر. وأعرب عن أسفه لعدم وجود حوار حقيقي بين الجزائر وأوروبا حول القضايا الحيوية مثل الأمن الإقليمي، الإرهاب، الهجرة والتهديدات الاقتصادية والاستراتيجية. شدد على أن الجزائر خسرت ما يقرب من 16 مليار دولار نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية المنصوص عليه في الاتفاقية، في حين أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر ظلت ضعيفة. دور الحكم الرشيد والدبلوماسية : أكد رحابي على أهمية الحكم الرشيد لتجنب توقيع الجزائر على اتفاقيات تجارية غير مواتية. انتقد الإدارة الجزائرية لافتقارها للإصلاحات واعتمادها على اقتصاد الريع، مما يعرقل جهود التحديث والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية. مفاوضات الاتفاقية : أشار رحابي إلى أن فكرة التعاون الأورو...

الطموحات التوسعية للمغرب خلال حرب التحرير الوطني: تحليل وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي لعام 1957

 تكشف وثيقة من جهاز الاستخبارات الفرنسي، مؤرخة في 16 ديسمبر 1957، عن الطموحات التوسعية للمغرب تجاه الجزائر في خضم حرب الاستقلال. تلقي هذه الوثيقة ضوءًا جديدًا على العلاقات المعقدة بين البلدين وتتناقض جزئيًا مع السرد التاريخي الذي يتم تدريسه في الجزائر، والذي يشير إلى دعم غير مشروط من المغرب للثورة الجزائرية. في النسخة الرسمية لتاريخ حرب التحرير الوطني، كما يتم تقديمها في المدارس الجزائرية، يُصوَّر المغرب، تحت حكم الملك محمد الخامس، كحليف قوي في النضال من أجل استقلال الجزائر. يبرز هذا السرد وحدة الشعبين المغربي والجزائري في كفاحهما ضد الاستعمار الفرنسي. ومن الصحيح أن الثوار الجزائريين رأوا في بداية الأمر أن نضالهم جزء من حركة تحرير مغاربية أوسع (تونس – الجزائر – المغرب). على سبيل المثال، هجوم شمال قسنطينة في أغسطس 1955، الذي تم تنفيذه ردًا على نفي السلطان المغربي إلى مدغشقر، يوضح هذه التضامن الإقليمي. ومع ذلك، كانت سنة 1956 نقطة تحول حاسمة في العلاقات بين الجزائر والمغرب. خلال هذه الفترة، حصل المغرب وتونس على استقلالهما بعد مفاوضات مباشرة مع فرنسا، تاركين الجزائر تواصل نضالها المسلح...