التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مصادر السلطة في القانون الدولي: رد على منار سليمي

في إطار العلاقات الدولية، يحتل القانون الدولي مكانة مركزية باعتباره الإطار المنظم للتفاعلات بين الدول، والمنظمات الدولية، وأحيانًا الأفراد. تقدم منار سليمي الرأي بأن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هو المصدر الوحيد للسلطة في القانون الدولي. وعلى الرغم من أن هذا الجهاز يلعب دورًا بارزًا، فإن هذا الرأي يغفل المصادر الأخرى المهمة للقانون الدولي التي تساهم في تشكيله وتفسيره وتطبيقه. يهدف هذا المقال إلى تحليل مختلف مصادر السلطة في القانون الدولي، مع تسليط الضوء على تنوع الجهات الفاعلة المشاركة في تنفيذه.

1. مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: سلطة رئيسية ولكن محدودة

لا شك أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هو أحد الأجهزة الرئيسية التي تمارس دورًا مباشرًا في تنفيذ القانون الدولي، خاصة في مجالات السلام والأمن الدوليين. بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، يمتلك مجلس الأمن صلاحية فرض العقوبات، والسماح باستخدام القوة، واتخاذ قرارات ملزمة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة. هذه القرارات، لا سيما المتعلقة بالأمن الجماعي، ملزمة قانونيًا للدول كما ينص على ذلك المادة 25 من الميثاق.

ومع ذلك، فإن هذه السلطة محدودة بعدة عوامل. أولاً، تركز أعمال مجلس الأمن فقط على قضايا السلام والأمن. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لحق النقض (الفيتو) الذي تمتلكه الدول الخمس الدائمة العضوية (الولايات المتحدة، الصين، روسيا، فرنسا، والمملكة المتحدة) أن يعرقل قراراته، كما تم ملاحظته كثيرًا خلال الأزمات الجيوسياسية الكبرى. وأخيرًا، لا يتعامل مجلس الأمن مع جوانب أخرى من القانون الدولي مثل حقوق الإنسان، والتجارة الدولية، أو البيئة، التي تخضع لهيئات أخرى.

2. المعاهدات الدولية: حجر الزاوية في القانون الدولي

إلى جانب مجلس الأمن، تعتبر المعاهدات الدولية مصدرًا رئيسيًا للقانون والسلطة في النظام الدولي. المعاهدات، سواء كانت ثنائية أو متعددة الأطراف، هي اتفاقيات تفاوضية بين الدول تلزمها قانونيًا. تكتسي المعاهدات أهمية كبرى، كما هو موضح في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (1969)، التي تقنن القواعد المتعلقة بإبرام المعاهدات وتفسيرها وإبطالها .

تنظم المعاهدات مجموعة واسعة من المجالات مثل القانون الإنساني (اتفاقيات جنيف)، قانون البحار (اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار)، وحقوق الإنسان (العهدان الدوليان الخاصان بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية). تعتبر هذه الاتفاقيات الدولية أساسية لتنظيم سلوك الدول وتشكل مصدرًا ملزمًا يتجاوز صلاحيات مجلس الأمن.

3. القانون الدولي العرفي: مصدر ضمني ولكنه ملزم

يُعد القانون الدولي العرفي مصدرًا آخر لا غنى عنه للسلطة الدولية. على عكس المعاهدات التي تستند إلى اتفاقيات صريحة، يتطور القانون العرفي من الممارسات العامة للدول المقبولة كالتزام قانوني. تعترف محكمة العدل الدولية (ICJ) بالعُرف الدولي كمصدر للقانون بجانب المعاهدات والمبادئ العامة للقانون .

ومن الأمثلة البارزة على القانون العرفي مبدأ عدم التدخل، الذي، رغم أنه لا يُدرج دائمًا بشكل صريح في المعاهدات، يُقبل عالميًا باعتباره قاعدة أساسية في العلاقات الدولية. وبالمثل، فإن مبدأ مسؤولية الدول عن الأعمال غير المشروعة دوليًا هو قاعدة عرفية مقبولة في الممارسة الدولية.

4. المبادئ العامة للقانون: تكملة ضرورية

تعتبر المبادئ العامة للقانون مصدرًا آخر للقانون الدولي، تستخدم لسد الثغرات القانونية عندما تكون المعاهدات والعُرف صامتة. غالبًا ما تُستمد هذه المبادئ من الأنظمة القانونية الوطنية، وقد تشمل مفاهيم مثل العدالة، حسن النية، والوفاء بالالتزامات .

تعترف النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية بهذه المبادئ كأحد مصادر القانون الدولي، وتلعب دورًا حيويًا في تفسير وتطبيق القانون الدولي، خاصة في الحالات التي لا توجد فيها قاعدة عرفية أو نص اتفاقي قابل للتطبيق. على سبيل المثال، مبدأ "لا جريمة بدون قانون" (nullum crimen sine lege) هو مبدأ أساسي في القانون الجنائي الدولي وقد تم تضمينه في أنظمة قضائية مثل المحكمة الجنائية الدولية.

5. المنظمات الدولية: سلطات قطاعية

بالإضافة إلى الأمم المتحدة، تلعب العديد من المنظمات الدولية دورًا مركزيًا في تنظيم قطاعات محددة من القانون الدولي. على سبيل المثال، تشرف منظمة التجارة العالمية (OMC) على قواعد التجارة العالمية، وتكون قراراتها بشأن تسوية المنازعات التجارية ملزمة لأعضائها. وبالمثل، تصدر منظمة العمل الدولية (OIT) معايير العمل التي تؤثر على السياسات الوطنية .

تمتلك هذه المنظمات اختصاصًا محدودًا بمجال خبرتها، لكنها تتمتع بسلطة معيارية كبيرة تؤثر مباشرة على الدول الأعضاء وأصحاب المصلحة. إن قواعدها وقراراتها، رغم أنها مستقلة عن آليات الأمم المتحدة، تشكل جزءًا لا يتجزأ من الإطار القانوني الدولي.

خاتمة

على الرغم من أن مجلس الأمن يحتل مكانة فريدة فيما يتعلق بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين، إلا أنه ليس المصدر الوحيد للسلطة في القانون الدولي. تساهم المعاهدات والقانون العرفي والمبادئ العامة للقانون وكذلك المنظمات الدولية أيضًا في هيكلة الإطار القانوني العالمي. عند أخذ هذه المصادر المختلفة في الاعتبار، يتضح أن القانون الدولي هو نظام معقد ومتعدد الأطراف، وأن الادعاء بأن مجلس الأمن هو السلطة الوحيدة يعد تبسيطًا مفرطًا لواقع هذا النظام.

بلقاسم مرباح

المراجع:

  1. ميثاق الأمم المتحدة، الفصل السابع، المواد 39-51.
  2. اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، 1969.
  3. النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، المادة 38(1).
  4. النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، المادة 38(1)(ج).
  5. اتفاق مراكش المنشئ لمنظمة التجارة العالمية، 1994.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

  سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب.  لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ لماذا لا تفرض الدولة الجزائرية تأشيرة دخول على هذا البلد العدو لمراقبة التدفقات السكانية بشكل أفضل بين الجزائر والمغرب؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع ال

نداء لطرد المغاربة المقيمين بشكل غير قانوني في الجزائر

وقع على العريضة إذا كنت توافق https://www.mesopinions.com/petition/politique/appel-solennel-expulsion-marocains-situation-irreguliere/232124   السيد الرئيس، أيها المواطنون الأعزاء، نحن نواجه وضعًا حرجًا يتطلب استجابة حازمة وحاسمة. إن وجود أكثر من 1.2 مليون من المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني على أراضينا يشكل تهديدًا للأمن القومي، والاقتصاد، والتماسك الاجتماعي لبلدنا. يجب علينا أن نتحرك بعزم لحماية أمتنا وضمان مستقبل آمن ومزدهر لجميع الجزائريين. الأمن القومي في خطر تم الكشف عن وجود علاقات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمغرب. وتشير التقارير إلى أن الموساد يقوم بتجنيد واسع النطاق في الجالية المغربية، لا سيما في فرنسا. لا يمكننا استبعاد إمكانية حدوث أنشطة مشابهة على أرضنا، مما يهدد أمننا القومي. كدولة ذات سيادة، لا يمكننا التسامح مع وجود أفراد يمكن أن يعرضوا أمننا واستقرارنا للخطر. التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية تشكل تدفقات العملة الصعبة بشكل غير قانوني نحو تونس ليتم تحويلها إلى المغرب عبر البنوك المغربية هروبًا غير مقبول لرؤوس الأموال. بالإضافة إلى ذلك، فإن تورط بعض أعضاء الجا

ما هي المشاكل بين الجزائر والمغرب ؟ لماذا لن يتم استعادة العلاقات مع المغرب ؟ ولماذا لا تقبل الجزائر أي وساطة مع المغرب ؟

في 24 أغسطس 2021، اتخذت الجزائر قرارًا تاريخيًا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، الذي واصل القيام بأعمال عدائية وغير ودية وخبيثة ضد بلدنا منذ استقلال الجزائر. في هذا المقال لن نتطرق للخيانات المغربية العديدة والممتدة عبر الازمنة و كذلك التي طالت الجزائر قبل الاستقلال (-اختطاف طائرة جبهة التحرير الوطني - خيانة الأمير عبد القادر - قصف مآوي المجاهدين الجزائريين من قاعدة مراكش الجوية - مشاركة المغاربة في مجازر سطيف، قالمة وخراطة عام 1945. الخ)، لأن الموضوع يستحق عدة مقالات ولأن الأفعال الكيدية عديدة، ولا يتسع المجال لذكرها، ومنذ وصول السلالة العلوية عام 1666 في سلطنة مراكش وفاس وهو الاسم الحقيقي للمملكة، قبل أن يقرر الحسن الثاني تغيير اسمها الرسمي بالاستيلاء دون وجه حق، عام1957(بينما كانت الجزائر تحارب الاستدمار الفرنسي) على اسم منطقة شمال إفريقيا: "المغرب" والذي يشمل كل من تونس و ليبيا والجزائر وموريتانيا والصحراء الغربية وسلطنة فاس ومراكش. 1ــ بماذا تتهم الجزائر المغرب؟ للإجابة على هذا السؤال ودون الخوض فى الخيانات المغربية العديدة قبل استقلال الجزائر، فإن الوثيقة الأكثر ا