التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لماذا يقوم بعض المغاربة، بتشجيع من نظام المخزن، بسب الشهداء الجزائريين؟

على مدار عدة سنوات، لاحظنا ظاهرة مزعجة تتجذر في وسائل التواصل الاجتماعي: الهجوم المتواصل من بعض المغاربة على كل ما يتعلق بالجزائر. هذا الهجوم لا يقتصر على الأحياء أو التاريخ المعاصر فقط، بل يمتد ليشمل الأموات، وخاصة شهداء حرب التحرير الجزائرية. هذا السلوك يثير سؤالاً جوهرياً: لماذا يستهدف المغاربة شهداءنا، رغم أن احترام الأموات هو مبدأ عالمي في جميع الثقافات والأديان، بما في ذلك الإسلام الذي يعتنقه المغاربة؟



السياق التاريخي والاجتماعي والسياسي

حرب التحرير الجزائرية ورد الفعل المغربي

كانت حرب التحرير الجزائرية (1954-1962) نضالاً مسلحاً عنيفاً ودامياً ضد الاستعمار الفرنسي، تميز بتضحيات هائلة من قبل الجزائريين . في المقابل، حصل المغرب على استقلاله في عام 1956 بوسائل سلمية وبالمفاوضات السياسية في معظمها . هذا التباين خلق تصوراً مختلفاً للنضال من أجل الاستقلال في كلا البلدين.

بالنسبة للنظام المغربي في ذلك الوقت، بقيادة الملك الحسن الثاني، كانت الثورة الجزائرية تمثل تهديداً محتملاً للعدوى الثورية. المكانة الدولية المرموقة للجزائر الجديدة في الستينيات والسبعينيات لم تكن تروق للنظام المغربي، الذي رأى فيها تأثيراً متزايداً ومزعزعاً للاستقرار. نتيجة لذلك، تم بذل جهود كبيرة لتشويه الثورة الجزائرية وأبطالها لدى الشعب المغربي .


التعليم والدعاية

غالباً ما ركز التعليم في المغرب على رؤية سلمية للاستقلال، على عكس النضال المسلح الجزائري. هذا التباين ساهم في نقص الفهم لقيمة تضحية الشهداء الجزائريين بين المغاربة . علاوة على ذلك، فإن الدعاية التي تهدف إلى التقليل من إنجازات الجزائر قد غذت العداء الذي يظهر بشكل خاص على وسائل التواصل الاجتماعي .

عقدة تاريخية وشعور بالنقص

التباين بين النضال المسلح للجزائريين والمسار السلمي الذي سلكه المغاربة للحصول على استقلالهم خلق عقدة داخل المجتمع المغربي. الشجاعة والتضحيات التي قدمها الجزائريون صنعت صورة للمقاومة والشجاعة التي غالباً ما طغت على الإنجازات السلمية للمغرب. هذه العقدة التاريخية، التي تغذت على مدى عقود من الدعاية، أدت إلى نوع من الغيرة ورغبة في تشويه الرموز المقدسة للنضال الجزائري، وخاصة الشهداء .


تحليل الدوافع

عدم الفهم والغيرة التاريخية

إحدى الأسباب الرئيسية لهذا الهجوم هو عدم الفهم. كثير من المغاربة، بسبب تعليمهم والدعاية الوطنية، لا يدركون تماماً معنى وأهمية الشهداء في التاريخ والثقافة الجزائرية. إنهم يجهلون عمق التضحية التي قدمها هؤلاء الأبطال والمكانة المقدسة التي يحتلونها في الذاكرة الجماعية الجزائرية .

ليس من المستغرب أن يقوم أشخاص لا يفهمون المعنى الرمزي للشهداء الجزائريين بإهانة أبطال الثورة، لأنهم لم يتعرضوا أبداً لقسوة الاستعمار. كل عائلة جزائرية فقدت فرداً من أفرادها من أجل استقلال الجزائر، مما يخلق ارتباطاً عميقاً بالشهداء. هؤلاء يعيشون فينا، لأنهم بناة استقلالنا وكرامتنا بعد أكثر من 132 سنة من المعاناة والإذلال. المغاربة، الذين لم يمروا بهذه المحنة، لا يمكنهم إدراك حجم هذا الارتباط. بدلاً من الشعور بالضغينة تجاههم، ينبغي على الجزائريين أن يشفقوا عليهم، لأن إهانة شهدائنا هي جريمة شنيعة أمام الله والبشر.

بالإضافة إلى ذلك، هناك شعور بالغيرة التاريخية. الجزائر، بتاريخها الثوري، اكتسبت هالة من المقاومة والشجاعة التي غالباً ما طغت على إنجازات المغرب السلمية على الساحة الدولية. تتجلى هذه الغيرة في محاولة لتشويه ما هو أكثر قداسة بالنسبة للجزائريين: شهداؤهم 

وهم المسيرة الخضراء

من الوهم أن نعتقد أن الحرية يمكن الحصول عليها من خلال المسيرات السلمية، ففي الواقع، الحرية تُكتسب ولا تُمنح كهدية. في المغرب، يعتقد الكثير من المغاربة أن الصحراء الغربية (التي استعمرها المغرب في عام 1975) قد "تحررت" بفضل المسيرة الخضراء، وهي تمثيلية تهدف إلى إضفاء مظهر شرعية شعبية على عملية استيلاء نُفذت تحت رعاية وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، كيسنجر، وتُرجمت إلى اتفاقيات مدريد بين إسبانيا، موريتانيا، والمغرب. هذا التصور المغربي لعملية التحرير الوطني يتناقض بشدة مع التجربة الجزائرية، حيث انتزع الشعب استقلاله بثمن حرب دموية استمرت سبع سنوات ونصف ضد المستعمر. هذا التباين يغذي الخلافات العميقة والدائمة بين الشعبين.


استراتيجية الاستفزاز

إهانة الشهداء الجزائريين هي أيضاً استراتيجية استفزاز متعمدة. مدركين لأهمية هذه الشخصيات التاريخية بالنسبة للجزائريين، يسعى بعض الأفراد إلى إثارة رد فعل عاطفي شديد من خلال الهجوم على هذا الرمز المقدس. إنها طريقة للمساس بنقطة حساسة وتعظيم تأثير هجماتهم .

التأثيرات السياسية المعاصرة

التوترات السياسية الحالية بين الجزائر والمغرب، التي تتفاقم بسبب الخلافات حول القضايا الإقليمية والدبلوماسية، تغذي أيضاً هذا العداء على الإنترنت. العلاقات بين حكومتي البلدين غالباً ما تكون متوترة، مما ينعكس على مواقف المواطنين، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي حيث يمكن أن تصبح التبادلات شديدة العنف .

الخاتمة

ينتج الإصرار من بعض المغاربة على مهاجمة شهداء الجزائر عن مزيج من الجهل والغيرة التاريخية واستراتيجيات الاستفزاز، التي تغذيها عقود من الدعاية والتنافس بين البلدين. لتجاوز هذه التوترات، من الضروري تعزيز التفاهم المتبادل والاحترام المتبادل، خاصة للرموز التاريخية المقدسة. إن احترام التضحيات وأبطال نضالات التحرير أمر أساسي لبناء مستقبل من السلام والتعاون بين الجزائر والمغرب.

بلــڨاســم مربـــاح


المراجع

  1. Aissaoui, R. (2017). "Algerian Nationalist Movements in Colonial France." Springer.
  2. Pennell, C. R. (2000). "Morocco since 1830: A History." New York University Press.
  3. Stora, B. (2001). "Algeria, 1830-2000: A Short History." Cornell University Press.
  4. Ruedy, J. (2005). "Modern Algeria: The Origins and Development of a Nation." Indiana University Press.
  5. Rivet, D. (2012). "Le Maghreb à l'épreuve de la colonisation." Editions Hachette.
  6. Aït-Aoudia, M. (2006). "Les Algériens en guerre: Des idées reçues aux controverses." Editions Milan.
  7. Maddy-Weitzman, B. (2011). "The Berber Identity Movement and the Challenge to North African States." University of Texas Press.
  8. Adam, A. (1968). "Histoire de l'Algérie contemporaine." Presses Universitaires de France.
  9. Willis, M. (2014). "Politics and Power in the Maghreb: Algeria, Tunisia and Morocco from Independence to the Arab Spring." Hurst & Company.
  10. Zartman, I. W. (1964). "Government and Politics in North Africa." Praeger.
  11. Porter, B. (2013). "The Algerian War: The Algerian War and the Remaking of France." Harvard University Press.
  12. Ciment, J. (1997). "The Maghreb Since 1800: A Short History." Facts on File.
  13. Le Sueur, J. D. (2001). "Uncivil War: Intellectuals and Identity Politics During the Decolonization of Algeria." University of Pennsylvania Press.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

  سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب.  لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ لماذا لا تفرض الدولة الجزائرية تأشيرة دخول على هذا البلد العدو لمراقبة التدفقات السكانية بشكل أفضل بين الجزائر والمغرب؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع ال

نداء لطرد المغاربة المقيمين بشكل غير قانوني في الجزائر

وقع على العريضة إذا كنت توافق https://www.mesopinions.com/petition/politique/appel-solennel-expulsion-marocains-situation-irreguliere/232124   السيد الرئيس، أيها المواطنون الأعزاء، نحن نواجه وضعًا حرجًا يتطلب استجابة حازمة وحاسمة. إن وجود أكثر من 1.2 مليون من المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني على أراضينا يشكل تهديدًا للأمن القومي، والاقتصاد، والتماسك الاجتماعي لبلدنا. يجب علينا أن نتحرك بعزم لحماية أمتنا وضمان مستقبل آمن ومزدهر لجميع الجزائريين. الأمن القومي في خطر تم الكشف عن وجود علاقات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمغرب. وتشير التقارير إلى أن الموساد يقوم بتجنيد واسع النطاق في الجالية المغربية، لا سيما في فرنسا. لا يمكننا استبعاد إمكانية حدوث أنشطة مشابهة على أرضنا، مما يهدد أمننا القومي. كدولة ذات سيادة، لا يمكننا التسامح مع وجود أفراد يمكن أن يعرضوا أمننا واستقرارنا للخطر. التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية تشكل تدفقات العملة الصعبة بشكل غير قانوني نحو تونس ليتم تحويلها إلى المغرب عبر البنوك المغربية هروبًا غير مقبول لرؤوس الأموال. بالإضافة إلى ذلك، فإن تورط بعض أعضاء الجا

ما هي المشاكل بين الجزائر والمغرب ؟ لماذا لن يتم استعادة العلاقات مع المغرب ؟ ولماذا لا تقبل الجزائر أي وساطة مع المغرب ؟

في 24 أغسطس 2021، اتخذت الجزائر قرارًا تاريخيًا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، الذي واصل القيام بأعمال عدائية وغير ودية وخبيثة ضد بلدنا منذ استقلال الجزائر. في هذا المقال لن نتطرق للخيانات المغربية العديدة والممتدة عبر الازمنة و كذلك التي طالت الجزائر قبل الاستقلال (-اختطاف طائرة جبهة التحرير الوطني - خيانة الأمير عبد القادر - قصف مآوي المجاهدين الجزائريين من قاعدة مراكش الجوية - مشاركة المغاربة في مجازر سطيف، قالمة وخراطة عام 1945. الخ)، لأن الموضوع يستحق عدة مقالات ولأن الأفعال الكيدية عديدة، ولا يتسع المجال لذكرها، ومنذ وصول السلالة العلوية عام 1666 في سلطنة مراكش وفاس وهو الاسم الحقيقي للمملكة، قبل أن يقرر الحسن الثاني تغيير اسمها الرسمي بالاستيلاء دون وجه حق، عام1957(بينما كانت الجزائر تحارب الاستدمار الفرنسي) على اسم منطقة شمال إفريقيا: "المغرب" والذي يشمل كل من تونس و ليبيا والجزائر وموريتانيا والصحراء الغربية وسلطنة فاس ومراكش. 1ــ بماذا تتهم الجزائر المغرب؟ للإجابة على هذا السؤال ودون الخوض فى الخيانات المغربية العديدة قبل استقلال الجزائر، فإن الوثيقة الأكثر ا