التخطي إلى المحتوى الرئيسي

السياسة الجزائرية لدعم فلسطين: بين الدبلوماسية والتصورات الشعبية

 تعد القضية الفلسطينية مصدر قلق مركزي للعديد من الدول في العالم العربي، بما في ذلك الجزائر. في حين أن بعض الدول تسمح وأحيانًا تشجع المظاهرات الداعمة لفلسطين، فإن دولًا أخرى، مثل الجزائر، تركز على الإجراءات الحكومية المباشرة والدبلوماسية. يتناول هذا المقال سبب ندرة المظاهرات الداعمة لفلسطين في الجزائر ويستكشف دور الحكومة الجزائرية في هذه الديناميكية.

السياق الجزائري

منذ الاستقلال في عام 1962، أكدت الجزائر باستمرار دعمها الثابت للقضية الفلسطينية. هذا الموقف متجذر في تاريخ كفاح الجزائر من أجل استقلالها والتزامها تجاه حركات التحرير في جميع أنحاء العالم. قدمت الجزائر دعمًا ماليًا وسياسيًا ودبلوماسيًا كبيرًا لفلسطين، لا سيما في المنتديات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

إجراءات الحكومة الجزائرية

يتجلى دعم الحكومة الجزائرية لفلسطين من خلال عدة قنوات:

  1. الدعم المالي: قدمت الجزائر بانتظام مساعدات مالية للمؤسسات الفلسطينية، مما ساهم في الجهود الإنسانية وتطوير البنية التحتية.

  2. الدعم السياسي والدبلوماسي: تستخدم الجزائر صوتها على الساحة الدولية للدفاع عن فلسطين. تدعم الجزائر قرارات الأمم المتحدة التي تدين الأعمال الإسرائيلية وتدافع عن حق الفلسطينيين في دولة مستقلة.

  3. الدعم الإنساني: ترسل الجزائر بانتظام مساعدات إنسانية إلى الأراضي الفلسطينية، خاصة أثناء الأزمات الإنسانية الناجمة عن النزاعات مع إسرائيل.

  4. إعلان دولة فلسطين في الجزائر: كان لحظة حاسمة في دعم الجزائر لفلسطين هي إعلان دولة فلسطين في الجزائر عام 1988. تم هذا الإعلان على الرغم من التهديدات الإسرائيلية بقصف نادي الصنوبر، وهو مجمع سكني ومؤتمرات مهم في الجزائر. إن قرار السماح بهذا الإعلان في الجزائر، رغم المخاطر، يظهر الالتزام الثابت والراسخ للجزائر تجاه القضية الفلسطينية.

  5. الدعم المستمر رغم الأزمات: ظل التزام الجزائر تجاه القضية الفلسطينية ثابتًا، حتى خلال فترات الأزمات الاقتصادية والاضطرابات الأمنية الداخلية. على سبيل المثال، خلال التسعينيات، وهي عقد شهد حربًا أهلية وصعوبات اقتصادية، استمرت الجزائر في دعم فلسطين بشكل كبير.

  6. المشاركة في الحروب العربية-الإسرائيلية: شاركت الجزائر بنشاط في جميع الحروب العربية-الإسرائيلية. لا سيما في عام 1973، أثناء حرب أكتوبر، لعبت الجزائر دورًا حيويًا في تمويل تسليح الجيش المصري وإرسال قوات ومعدات عسكرية لدعم جهود الحرب ضد إسرائيل.

التصورات الشعبية

يمكن تفسير غياب المظاهرات الضخمة في الجزائر لدعم فلسطين بعدة عوامل:

  1. الرضا عن العمل الحكومي: يشعر الجزائريون بشكل عام بالرضا عن الإجراءات التي تتخذها حكومتهم لدعم القضية الفلسطينية. هذا الرضا يقلل من الحاجة إلى التظاهر، حيث ترى الجمهور أن حكومتهم تتصرف بالفعل بفعالية نيابة عنهم.

  2. تنظيم المظاهرات: في الجزائر، تخضع المظاهرات لتنظيمات صارمة. يجب أن تحصل التجمعات العامة على تصريح من السلطات، مما قد يثني المواطنين عن التعبئة العفوية.

  3. السياق الإقليمي المقارن: في دول مثل المغرب، غالبًا ما يُنظر إلى المظاهرات المؤيدة لفلسطين على أنها وسيلة للحكومة لإظهار دعمها للقضية الفلسطينية مع الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل. تُفسر هذه الديناميكية غالبًا على أنها استراتيجية للحفاظ على توازن سياسي دقيق وإدارة التصورات الوطنية والدولية.

المقارنة مع المغرب

يقدم المغرب تباينًا مثيرًا للاهتمام مع الجزائر من حيث دعم فلسطين. غالبًا ما تُرى المظاهرات المؤيدة لفلسطين في المغرب على أنها وسيلة للحكومة لإظهار دعمها للقضية الفلسطينية مع الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل. غالبًا ما تُفسر هذه الديناميكية على أنها استراتيجية للحفاظ على توازن سياسي دقيق وإدارة التصورات الوطنية والدولية. من المهم أن نلاحظ أن المغرب كان متورطًا في أعمال ساهمت في بقاء دولة إسرائيل، لا سيما من خلال توفير معلومات سرية خلال قمة عربية في المغرب عام 1965، مما ساعد إسرائيل على الانتصار في حرب 1967. بالإضافة إلى ذلك، فإن الهجرة الجماعية لليهود المغاربة إلى إسرائيل، التي شجعها الملك الحسن الثاني، عززت الديموغرافيا الإسرائيلية.

الخاتمة

في الختام، يمكن عزو غياب المظاهرات الضخمة المؤيدة لفلسطين في الجزائر إلى الرضا العام للشعب عن الإجراءات التي تتخذها الحكومة الجزائرية لدعم فلسطين، وكذلك إلى التنظيمات الصارمة للتجمعات العامة. على عكس دول أخرى في المنطقة، حيث تُستخدم المظاهرات كأداة سياسية، تعتمد الجزائر على نهج دبلوماسي ومالي قوي لدعم القضية الفلسطينية. يبدو أن هذه الاستراتيجية تلبي توقعات الشعب الجزائري، الذي يرى في حكومته مدافعًا فعالًا عن حقوق الفلسطينيين على الساحة الدولية. إن إعلان دولة فلسطين في الجزائر، على الرغم من التهديدات الإسرائيلية، والمشاركة المستمرة في الصراعات العربية-الإسرائيلية، تجسد هذا الالتزام الراسخ. يعرف الفلسطينيون من يدعمهم فعليًا ومن يتظاهر بذلك فقط. الدعم المغربي يُنظر إليه غالبًا على أنه سطحي، لا سيما بسبب الدور المركزي للمغرب في بقاء دولة إسرائيل من خلال توفير المعلومات السرية وتسهيل الهجرة اليهودية إلى إسرائيل.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب. لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع العلاقات القنصلية مع المغرب في أسرع وقت ممكن ، لأن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يشتركون في نفس الأطروحات التوسعية مثل ن...

دعم فرنسي للخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية

 أعربت الجزائر، يوم الخميس، عن "استنكارها الشديد" للقرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وقد وصف هذا الموقف بأنه "غير متوقع، وغير مناسب، وغير مجدي" من قبل وزارة الخارجية الجزائرية. وقد أكدت الحكومة الجزائرية بوضوح أنها ستستخلص جميع العواقب المترتبة عن هذا القرار، محملة الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. وقد أثار الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تُعتبر إضفاءً للشرعية على السيادة المتنازع عليها للمغرب على الصحراء الغربية، رد فعل حاد في الجزائر. ونددت وزارة الخارجية الجزائرية بهذا القرار باعتباره عملاً داعماً "لفعل استعماري"، يتعارض مع مبادئ إنهاء الاستعمار التي تدعمها المجتمع الدولي. ويعتبر هذا الموقف أكثر إثارة للجدل بالنظر إلى أنه صادر عن عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يحترم ويعزز الشرعية الدولية. وتعتبر الجزائر هذا القرار عائقاً أمام الحل السلمي لقضية الصحراء الغربية، مشيرة إلى أن خطة الحكم الذاتي المغربية قد أدت إلى مأزق مستمر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً. وأعربت الوزارة عن أ...

لماذا الحديث عن "اتفاقية سلام" بين الجزائر والمغرب في حين لا توجد حرب؟

الإعلان الأخير بأن ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص الأمريكي المعيَّن من قبل دونالد ترامب، يسعى إلى “إنهاء الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب” أثار العديد من ردود الفعل والتساؤلات. ووفقًا لتصريحاته، يأمل في التوصل إلى «اتفاق سلام» بين البلدين خلال الشهرين المقبلين، مؤكّدًا في الوقت نفسه أنه يعمل بالتوازي على مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. لكن هذه العبارة — «اتفاق سلام» — تطرح سؤالًا جوهريًا: عن أي حرب نتحدث؟ قراءة خاطئة للوضع الجزائر والمغرب ليسا في حالة حرب. لا يوجد نزاع مسلح ولا مواجهة مباشرة بين الدولتين. ما يفصل بينهما هو أزمة سياسية عميقة، ناتجة عن مواقف متناقضة حول قضايا السيادة والأمن الإقليمي والاحترام المتبادل. اختزال هذه الحقيقة المعقدة في مجرد “خلاف” يمكن تسويته بوساطة ظرفية يعكس إما سوء فهم لطبيعة النزاع، أو محاولة متعمدة لوضع البلدين على قدم المساواة أخلاقيًا ودبلوماسيًا، وهو ما ترفضه الجزائر رفضًا قاطعًا. الموقف الجزائري واضح وثابت شروط أي تطبيع مع المغرب معروفة، وقد جرى التأكيد عليها بقوة من قبل وزير الخارجية رمطان لعمامرة عند إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية في 24 أغس...