وكالة المخابرات المركزية ترفع السرية عن وثيقة تسلط الضوء على الدوافع الحقيقية للمغرب في حرب الرمال عام 1963
في 23 أغسطس 1957، تم إعداد وثيقة سرية لوكالة المخابرات المركزية (CIA) تكشف عن عناصر حاسمة تتعلق بالسياسة الفرنسية تجاه الجزائر، التي كانت آنذاك في خضم حرب الاستقلال. بعد رفع السرية عنها مؤخرًا، تسلط هذه الوثيقة ضوءًا جديدًا على نوايا فرنسا فيما يخص المناطق النفطية الصحراوية واستراتيجياتها بعد الاستقلال. من خلال مناورات دبلوماسية واقتصادية وجيوسياسية، سعت باريس إلى الحفاظ على سيطرتها على هذه المنطقة الاستراتيجية.
صحراء جزائرية ضرورية لفرنسا
وفقًا لهذه الوثيقة، اعتبرت فرنسا الصحراء الجزائرية منطقة ذات أهمية قصوى، ليس فقط بسبب مواردها النفطية والغازية، ولكن أيضًا لموقعها الاستراتيجي في شمال إفريقيا. في هذا السياق، كانت باريس تسعى بأي ثمن إلى الحفاظ على نفوذها في المنطقة من خلال فصلها إداريًا عن بقية الجزائر. وقد تجسدت هذه السياسة في عام 1957 بإنشاء مقاطعتين صحراويتين منفصلتين، في خطوة تهدف إلى ضمان استمرار وصول فرنسا إلى حقول النفط والغاز، حتى في حالة استقلال الجزائر.
استراتيجية البنية التحتية المدروسة
تكشف الوثيقة أيضًا أن فرنسا لم تكن ترغب في بناء خطوط أنابيب للغاز أو النفط تربط الصحراء بشمال الجزائر، لأن مثل هذه البنية التحتية كانت ستسهل على الدولة الجزائرية المستقلة الوصول إلى هذه الموارد، وهو ما أرادت باريس تجنبه بأي ثمن.
بدلاً من ذلك، فضّلت فرنسا تعزيز تعاونها مع إسبانيا، التي كانت تسيطر في ذلك الوقت على الصحراء الغربية. كانت هناك مناقشات متقدمة حول تصدير النفط الصحراوي عبر هذا الإقليم، مما يسمح لباريس بتجاوز الجزائر المستقلة والحفاظ على استقلالها في مجال الطاقة. وكان النظام الفرانكوي الإسباني، الذي أدرك الأهمية الاستراتيجية لهذا التحالف، ملتزمًا بالحفاظ على وجوده في المنطقة، مما عزز النفوذ الأوروبي على هذه الموارد القيمة.
المناورات الدبلوماسية مع ليبيا
أحد الجوانب البارزة الأخرى في الوثيقة يتعلق بالتوترات الحدودية مع ليبيا. في ذلك الوقت، كانت ليبيا تطالب بعدة حقول نفطية في الصحراء، خاصة حقول زارزيتين، وإدجليه، وتيگنتورين، التي كانت تمثل رهانات اقتصادية كبيرة. ولمواجهة هذه المطالب، يُزعم أن فرنسا قامت برشوة رئيس الوزراء الليبي، مصطفى بن حليم، من أجل ترسيم الحدود بما يخدم مصالحها.
تكشف هذه المعلومات الأساليب التي استخدمتها باريس لضمان سيطرتها على الموارد الصحراوية، حيث لم تتردد في اللجوء إلى الدبلوماسية السرية والترتيبات المالية. وقد أثرت هذه السياسة على العلاقات الفرنسية-الليبية وأثرت على استقرار المنطقة لسنوات طويلة.
الرهان الجيوسياسي: دور المغرب وحرب الرمال
تسلط وثيقة وكالة المخابرات المركزية الضوء أيضًا على مصادفة مثيرة للقلق: المواقع الجغرافية لأهم احتياطيات النفط في جنوب غرب الجزائر تتطابق مع المطالب الإقليمية للمغرب. وقد أدى ذلك إلى نشوب حرب الرمال في أكتوبر 1963، عندما حاول المغرب السيطرة على المناطق الصحراوية التي أصبحت مستقلة حديثًا.
ورغم أن مفهوم "المغرب الكبير" ظهر منذ عام 1955، أي قبل اكتشاف الموارد النفطية في الجزائر، إلا أن وجود هذه الثروات عزز الطموحات المغربية. ولو نجح المغرب في تحقيق انتصار عسكري سريع، لكان بإمكانه الاستحواذ على هذه الموارد الطبيعية، مما يمنحه ميزة اقتصادية استراتيجية.
يبقى الدور الذي لعبته أجهزة الاستخبارات الأمريكية في هذه القضية موضع تساؤل. وبالنظر إلى علاقاتها الوثيقة مع المغرب، فمن المشروع التساؤل عما إذا كانت واشنطن قد سهلت وصول الرباط إلى بعض المعلومات الحساسة، مما أثر على التوترات الإقليمية.
كشف غير مكتمل للمعلومات
على الرغم من أهميته، لم يتم رفع السرية عن وثيقة وكالة المخابرات المركزية بالكامل. لا تزال صفحتان من أصل ست صفحات سرية، ويُعتقد أنها تحتوي على معلومات حساسة للغاية حول تفاعلات النفوذ بين فرنسا، والولايات المتحدة، ودول شمال إفريقيا.
يزيد هذا الغموض من العديد من التساؤلات:
-
ما هي الاتفاقيات الحقيقية بين باريس ومدريد حول استغلال النفط الصحراوي؟
-
ما هو الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في الاستراتيجية الفرنسية؟
-
هل كانت فرنسا تخطط لسيناريوهات أخرى للحفاظ على وجودها في الصحراء بعد 1962؟
خاتمة: إعادة تعريف الرهانات بعد الاستعمار
توفر هذه الوثيقة قراءة جديدة للدوافع الفرنسية في الجزائر. لم تكن السياسة الفرنسية مدفوعة فقط بالاعتبارات السياسية أو الأيديولوجية، بل كانت تحركها مصالح اقتصادية واستراتيجية كبرى.
مثّلت الصحراء الجزائرية، بثرواتها الطاقوية الهائلة، رهانا حاسما لم تكن فرنسا مستعدة للتخلي عنه بسهولة. وتظهر هذه الاستراتيجيات، التي ظلت غير معروفة إلى حد كبير للرأي العام، إلى أي مدى لم تُحسم الاستقلالات الإفريقية فقط في ساحة المعركة، بل أيضًا في الأروقة الدبلوماسية والمجالات الاقتصادية.
وفي ظل استمرار الجدل حول العلاقات الفرنسية الجزائرية، تذكّرنا هذه الوثائق التي رُفعت عنها السرية بأن التاريخ الاستعماري هو أيضًا تاريخ لمصالح استراتيجية خفية، لا تزال تداعياتها محسوسة حتى اليوم.
✍️ بلقاسم مرباح
المراجع
هؤلاء الخونة هم مستعدين للتضحية بأرواح الشعب لخدمة المشروع الاستعماري ليس إلا رغم حسن النية المسؤولين الجزائريين بالاستعداد لمشاركة لمراريك في مشروع غار الجبيلات لكن خدمة للمشروع الاستعماري تم تعطيله لمصلحة فرنسا و الغرب على حساب مصلحة الشعب المروكي
ردحذفويبقى السؤال مطروح إلى متى يبقى الخواويست يقدمون بلدهم للعدو على طبق من ذهب
ردحذفمقال في غاية الأهمية، لماذا يسكت الإعلام الوطني المميعلة عن هذا الخبر
ردحذف