في مداخلته على قناة CNEWS، صرّح دريس غالي بأن "الجزائر تعلن علينا حربًا دائمة" بعد حادثة مولهاوس. هذا التصريح المتسرّع والمبني على تأويل خاطئ للأحداث يتجاهل الحقائق القانونية والدبلوماسية ويهدف إلى تغذية خطاب عدائي لا يخدم إلا أجندات معينة.
لكن هذا يطرح عدة تساؤلات جوهرية:
- لماذا يتحدث دريس غالي باندفاع وكأنه فرنسي أكثر من الفرنسيين، وهو مغربي وليس فرنسيًا؟
- لماذا لم يتطرق إلى دور المغرب في العمليات الإرهابية التي استهدفت فرنسا وأوروبا، رغم أن أكثر من 90% من منفذي هذه الهجمات كانوا مغاربة أو من أصول مغربية؟
- لماذا يحاول إلصاق حادثة فردية بالجزائر ككل، بينما يتعلق الأمر بجريمة جنائية معزولة ارتكبها شخص مضطرب عقليًا؟
1. لماذا يكون دريس غالي "أكثر ملكية من الملك" وهو ليس فرنسيًا؟
في خطابه، يظهر دريس غالي وكأنه المدافع الأول عن فرنسا ضد الجزائر، وكأن السلطات الفرنسية نفسها لا تدرك مصالحها. لكن لماذا يتبنى هذا الموقف العدائي المتطرف؟
- هل هو مدفوع بأجندة سياسية؟ يبدو واضحًا أن استهداف الجزائر يخدم أطرافًا معينة، خاصةً وأن غالي يتجاهل عن عمد قضايا أخرى أكثر خطورة تتعلق بالمغرب.
- لماذا لا ينتقد السياسات الفرنسية تجاه المغرب؟ فرنسا نفسها خففت من دعمها التقليدي للمغرب في السنوات الأخيرة بسبب ملفات مثل قضية برنامج التجسس بيغاسوس وقضايا الهجرة. ومع ذلك، لا نجد لغالي أي موقف نقدي تجاه هذه القضايا، بل يركز فقط على الجزائر.
هذا يثير تساؤلات حول دوافعه الحقيقية: هل يدافع عن فرنسا حقًا، أم أنه ينفذ أجندة لضرب صورة الجزائر؟
2. لماذا لا يتحدث دريس غالي عن دور المغرب في تصدير الإرهاب إلى أوروبا؟
إذا كان غالي يتحدث عن تهديد أمني ضد فرنسا، فلماذا لم يذكر الحقائق التالية؟
أكثر من 90% من منفذي الهجمات الإرهابية في أوروبا هم مغاربة أو من أصول مغربية، ومن بينهم:
- تفجيرات بروكسل 2016 (الإخوة البكراوي وناجيم العشراوي – من أصول مغربية).
- هجوم برشلونة 2017 (دريس أوكبير ويونس أبو يعقوب – مغاربة).
- هجوم لندن 2017 (رشيد رضوان ويوسف زغبة – مغاربة).
- اغتيال صامويل باتي 2020 (مرتكب الجريمة ليس مغربيًا، ولكن الاحتفاء بها جاء من شبكات مرتبطة بالإسلاميين المغاربة).
- هجوم نيس 2020 (إبراهيم عويساوي، تونسي، لكنه تأثر بمجموعات مرتبطة بجماعات تكفيرية مغربية).
70% من المقاتلين الأوروبيين الذين انضموا إلى داعش كانوا من أصول مغربية، ما يجعل المغرب أحد أكبر مصدّري الجهاديين إلى التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط.
إذن، إذا كان غالي يتحدث عن "حرب دائمة ضد فرنسا وأوروبا"، فهل يمكننا وفق منطقه أن نقول إن المغرب هو الدولة التي تشن هذه الحرب؟ لماذا لا ينتقد المغرب بنفس الحدة؟
3. قضية مولهاوس: جريمة حق عام وليس عملًا إرهابيًا
على عكس ما يحاول دريس غالي تصويره، فإن حادثة مولهاوس ليست قضية إرهاب دولي، بل جريمة جنائية ارتكبها شخص يعاني من اضطرابات عقلية.
- المتهم شخص مختل عقليًا، وهذا ليس مبررًا له، لكن يجب التمييز بين الإرهاب المنظّم والجرائم الفردية.
- الجزائر لا تدعم أي أعمال عنف، وقد أدانت هذا الحادث مثلما تدين أي جريمة أخرى.
- لماذا يتم تحميل الجزائر مسؤولية تصرف فردي؟ هذا نوع من التعميم الظالم الذي يسعى إلى تشويه صورة الجزائر كدولة وشعب.
لو طبقنا نفس منطق غالي، فهل يمكننا القول إن المغرب مسؤول عن كل الهجمات التي ارتكبها مغاربة في أوروبا؟ بالطبع لا، لأن الإرهاب مسألة معقدة لا يمكن اختزالها في جنسية الجناة.
4. خطاب انقسامي يخدم أجندات معينة
ما يفعله دريس غالي ليس مجرد تحليل سياسي، بل هو محاولة لإثارة الفتنة وتأجيج العداء بين الشعوب.
- يسعى إلى تعميق الخلاف بين الجزائر وفرنسا، بينما الواقع أن العلاقات بين البلدين تتغير وفق المصالح الثنائية وليس عبر تصريحات إعلامية متشنجة.
- يحاول خلق صراع بين الجاليات المغاربية في فرنسا، إذ يريد أن يجعل الجزائريين في مواجهة مع الفرنسيين، في حين أن المغاربة هم الأكثر تورطًا في الأعمال الإرهابية هناك.
- يتجاهل الحقائق التاريخية والسياسية، فالجزائر والمغرب بلدان جاران يتشاركان الكثير من القضايا، لكن غالي يريد تصوير الجزائر كعدو دائم لفرنسا، متناسيًا أن بلاده ليست بريئة من الأزمات الأمنية التي تعيشها أوروبا.
الخلاصة: خطاب مضلل يخدم أجندات معروفة
تصريحات دريس غالي ليست سوى مزايدة إعلامية تحاول تحميل الجزائر مسؤولية مشاكل لا علاقة لها بها.
السؤال الحقيقي إلى دريس غالي هو:
- لماذا هذا الهجوم المستمر على الجزائر، بينما بلدك المغرب هو المصدر الأول للإرهابيين الذين ضربوا فرنسا وأوروبا؟
- إذا كنت حريصًا على أمن فرنسا، فلماذا لا تتحدث عن مسؤولية السلطات المغربية في تصدير الجهاديين إلى أوروبا وسوريا؟
- ألا ترى أن خطابك يهدف فقط إلى تأليب الرأي العام الفرنسي ضد الجزائر، بدل تقديم تحليل موضوعي ومتوازن؟
إن مكافحة الإرهاب ومعالجة قضايا الهجرة تتطلب تحليلًا واقعيًا مبنيًا على الحقائق، وليس شعارات جوفاء وأحكامًا مسبقة. وإذا كان غالي مهتمًا فعلًا بمصلحة فرنسا، فالأجدر به أن يكون منصفًا بدلًا من تبني خطابات تحريضية غير مبررة.
تعليقات
إرسال تعليق