التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الجزائر والبريكس: تحليل للوضع الحالي وآفاق الانضمام

أثار اهتمام الجزائر بمجموعة البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا) نقاشًا مهمًا على المستويين الوطني والدولي. لسنوات عديدة، تسعى الجزائر إلى تنويع تحالفاتها الاقتصادية والسياسية، وتبدو مجموعة البريكس كبديل جذاب للنظام الاقتصادي العالمي الذي تهيمن عليه القوى الغربية. ومع ذلك، فإن التصريحات الأخيرة للرئيس عبد المجيد تبون تُظهر نوعًا من الحذر بشأن الانضمام الفوري. يستكشف هذا المقال أسباب هذا الموقف ويدرس إمكانية أن تغيّر الجزائر رأيها وتنضم إلى هذا التجمع الناشئ في المستقبل.

1. سياق مجموعة البريكس واهتمام الجزائر

تمثل مجموعة البريكس مجموعة من الاقتصادات الناشئة الكبرى التي تمثل معًا حوالي 40٪ من سكان العالم وأكثر من 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (وفقًا لتعادل القوة الشرائية). تشكلت المجموعة في البداية لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين أعضائها، وقد وسعت منذ ذلك الحين من نفوذها وطموحاتها، ساعيةً إلى إعادة تشكيل النظام العالمي من خلال تعزيز نموذج اقتصادي متعدد الأقطاب.

أبدت الجزائر، القوة الإقليمية في شمال إفريقيا والغنية بالموارد الطاقوية، اهتمامًا بهذه المجموعة لعدة أسباب:

  • تنويع الاقتصاد: بسبب اعتمادها التاريخي على صادرات الهيدروكربونات، تتطلع الجزائر إلى توسيع شراكاتها الاقتصادية مع دول ناشئة أخرى لجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاعات غير الطاقة.
  • العلاقات مع الصين وروسيا: لدى الجزائر بالفعل علاقات قوية مع عضوين رئيسيين في البريكس، وهما الصين، التي تعد مستثمرًا رئيسيًا في البنية التحتية الجزائرية، وروسيا، التي تشاركها في الروابط العسكرية والاستراتيجية المهمة.
  • بدائل للمؤسسات الغربية: في مواجهة القيود والمتطلبات التي تفرضها المؤسسات المالية الغربية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تقدم مجموعة البريكس بديلاً واعدًا للحصول على تمويل أكثر مرونة.

2. حذر الجزائر: تصريحات الرئيس تبون

رغم الاهتمام الواضح، أبدى الرئيس تبون مؤخرًا تحفظات بشأن الانضمام الفوري إلى مجموعة البريكس، مفضلًا نهجًا تدريجيًا. وهناك عدة أسباب لهذا الحذر:

2.1. عدم كفاية الاقتصاد

على الرغم من أن الاقتصاد الجزائري غني بالموارد الطبيعية، إلا أنه لا يزال يعاني من مشاكل هيكلية. يعتمد البلد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز، وعلى الرغم من الجهود الأخيرة لتنويع الاقتصاد، إلا أن هذه الإصلاحات تستغرق وقتًا. يتطلب الانضمام إلى مجموعة مؤثرة مثل البريكس اقتصادًا أكثر تنافسية وتنوعًا للاستفادة الكاملة من مزايا المجموعة. في هذا السياق، أشار تبون إلى أن الجزائر يجب أن "تعزز موقفها الداخلي" قبل أن تتمكن من الانضمام إلى مثل هذا الإطار الدولي.

2.2. غياب الوضوح حول معايير الانضمام

لم تحدد مجموعة البريكس بعد إطارًا رسميًا أو معايير واضحة لانضمام أعضاء جدد. إن عدم وجود قواعد واضحة يجعل التخطيط الاستراتيجي صعبًا لدول مثل الجزائر، التي يجب عليها تقييم الفوائد والمخاطر المحتملة. قد تفضل الجزائر الانتظار حتى تحدد مجموعة البريكس شروط الانضمام والتزامات الأعضاء الجدد قبل تقديم طلب رسمي.

2.3. التوازن الجيوسياسي والدبلوماسي

اتبعت الجزائر تاريخيًا سياسة خارجية مستقلة، تتجنب الانحياز إلى كتلة أو تحالف معين. يعكس التزامها بحركة عدم الانحياز هذه الرغبة في الحفاظ على الحياد في الساحة الدولية. قد يؤدي الاندماج الوثيق مع مجموعة البريكس إلى تعريض العلاقات مع الشركاء الغربيين للخطر، لا سيما الاتحاد الأوروبي، الذي يعد شريكًا تجاريًا رئيسيًا، أو الولايات المتحدة.

3. الفوائد المحتملة لانضمام الجزائر إلى مجموعة البريكس

على الرغم من التحفظات الحالية، هناك العديد من الفوائد التي يمكن أن تجنيها الجزائر من الانضمام إلى مجموعة البريكس:

3.1. الوصول إلى أسواق وشركاء اقتصاديين جدد

عند انضمامها إلى مجموعة البريكس، ستحظى الجزائر بإمكانية الوصول المباشر إلى بعض أكبر الأسواق الناشئة في العالم، لا سيما الصين والهند. تمثل هذه الدول فرصًا كبيرة في مجالات التجارة الثنائية، والاستثمار الأجنبي المباشر، والتعاون التكنولوجي.

3.2. الوصول إلى مصادر تمويل بديلة

أنشأت مجموعة البريكس مؤسسات مالية بديلة، مثل بنك التنمية الجديد (NDB)، لمنافسة الهيئات التي تهيمن عليها الدول الغربية مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي. بالنسبة للجزائر، التي ترغب في تجنب اللجوء إلى هذه المؤسسات التقليدية، يمكن أن توفر هذه البدائل تمويلًا لمشاريع البنية التحتية دون الشروط الصارمة التي يفرضها المقرضون الغربيون غالبًا.

3.3. تعزيز الدور الجيوسياسي

قد يعزز الانضمام إلى مجموعة البريكس أيضًا من موقع الجزائر على الساحة الدولية، من خلال توفير منصة لها للتأثير في القرارات العالمية الكبرى، خاصة في مجالات التجارة، التنمية المستدامة، وأمن الطاقة. كما يمكن أن تتبوأ مكانة رائدة في العالم العربي وإفريقيا داخل تكتل اقتصادي مؤثر.

4. إمكانية تغيير الموقف: السيناريوهات المستقبلية

على الرغم من التصريحات الحالية، قد تدفع عدة عوامل الجزائر إلى تغيير موقفها وتسريع انضمامها إلى مجموعة البريكس في السنوات القادمة:

4.1. تحضير اقتصادي أفضل

إذا تمكنت الجزائر من تسريع الإصلاحات الاقتصادية الداخلية، وتنويع مصادر دخلها، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، فقد تشعر بثقة أكبر للانضمام إلى مجموعة البريكس. إن تعافي أسعار النفط والغاز، إلى جانب سياسات التنمية القطاعية، يمكن أن يعزز أيضًا من موقفها.

4.2. تغير السياق الجيوسياسي

مع التطورات السريعة في التحالفات الجيوسياسية، لا سيما بسبب التوترات المتزايدة بين الغرب وبعض أعضاء البريكس (مثل روسيا والصين)، قد تجد الجزائر نفسها تعيد تقييم أولوياتها الاستراتيجية. إذا واصلت مجموعة البريكس تأكيد نفسها كقوة بديلة على الساحة الدولية، قد تجد الجزائر أن الاندماج معها أفضل لتجنب التهميش.

4.3. الضغوط الداخلية والخارجية

قد تؤثر الضغوط الداخلية، لا سيما من الأوساط الاقتصادية الجزائرية التي ترى في البريكس فرصة للنمو، أو الضغوط الخارجية من شركاء استراتيجيين مثل الصين وروسيا، في اتخاذ قرار مستقبلي. كما قد يلعب الدعم الشعبي المتزايد لصالح الاندماج في مجموعة البريكس دورًا مهمًا في تغيير هذا التوجه.

الخاتمة

على الرغم من أن الجزائر قد أعربت عن تحفظات بشأن الانضمام الفوري إلى مجموعة البريكس، فمن الواضح أن البلاد تبقي هذا الخيار مفتوحًا للمستقبل. يفسر الحذر الحالي بالتحديات الاقتصادية الداخلية، وغياب الوضوح حول شروط الانضمام، والرغبة في الحفاظ على التوازن الدبلوماسي. ومع ذلك، ومع الإصلاحات الاقتصادية المتوقعة والتغيرات في السياق الدولي، ليس من المستبعد أن تعيد الجزائر النظر في موقفها على المدى المتوسط. سيكون لتطورات مجموعة البريكس والعلاقات الجيوسياسية العالمية دور حاسم في مستقبل هذا الانضمام المحتمل.

بلقاسم مرباح.

المراجع

  • زوبير، ي. هـ. (2012). السياسة الخارجية للجزائر: بين الاستمرارية والتكيف. باريس: لافرانت.
  • عكاشم، م. ونصر، ر. (2018). التحديات الاقتصادية للجزائر في عصر الإصلاحات. الجزائر: منشورات القصبة.
  • مجموعة أبحاث البريكس (2020). تقرير قمة البريكس 2020.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب. لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ نعتقد أن الجزائر يجب أن تقطع العلاقات القنصلية مع المغرب في أسرع وقت ممكن ، لأن الغالبية العظمى من الشعب المغربي يشتركون في نفس الأطروحات التوسعية مثل ن...

دعم فرنسي للخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية

 أعربت الجزائر، يوم الخميس، عن "استنكارها الشديد" للقرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. وقد وصف هذا الموقف بأنه "غير متوقع، وغير مناسب، وغير مجدي" من قبل وزارة الخارجية الجزائرية. وقد أكدت الحكومة الجزائرية بوضوح أنها ستستخلص جميع العواقب المترتبة عن هذا القرار، محملة الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. وقد أثار الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تُعتبر إضفاءً للشرعية على السيادة المتنازع عليها للمغرب على الصحراء الغربية، رد فعل حاد في الجزائر. ونددت وزارة الخارجية الجزائرية بهذا القرار باعتباره عملاً داعماً "لفعل استعماري"، يتعارض مع مبادئ إنهاء الاستعمار التي تدعمها المجتمع الدولي. ويعتبر هذا الموقف أكثر إثارة للجدل بالنظر إلى أنه صادر عن عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي من المفترض أن يحترم ويعزز الشرعية الدولية. وتعتبر الجزائر هذا القرار عائقاً أمام الحل السلمي لقضية الصحراء الغربية، مشيرة إلى أن خطة الحكم الذاتي المغربية قد أدت إلى مأزق مستمر منذ أكثر من سبعة عشر عاماً. وأعربت الوزارة عن أ...

لماذا الحديث عن "اتفاقية سلام" بين الجزائر والمغرب في حين لا توجد حرب؟

الإعلان الأخير بأن ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص الأمريكي المعيَّن من قبل دونالد ترامب، يسعى إلى “إنهاء الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب” أثار العديد من ردود الفعل والتساؤلات. ووفقًا لتصريحاته، يأمل في التوصل إلى «اتفاق سلام» بين البلدين خلال الشهرين المقبلين، مؤكّدًا في الوقت نفسه أنه يعمل بالتوازي على مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. لكن هذه العبارة — «اتفاق سلام» — تطرح سؤالًا جوهريًا: عن أي حرب نتحدث؟ قراءة خاطئة للوضع الجزائر والمغرب ليسا في حالة حرب. لا يوجد نزاع مسلح ولا مواجهة مباشرة بين الدولتين. ما يفصل بينهما هو أزمة سياسية عميقة، ناتجة عن مواقف متناقضة حول قضايا السيادة والأمن الإقليمي والاحترام المتبادل. اختزال هذه الحقيقة المعقدة في مجرد “خلاف” يمكن تسويته بوساطة ظرفية يعكس إما سوء فهم لطبيعة النزاع، أو محاولة متعمدة لوضع البلدين على قدم المساواة أخلاقيًا ودبلوماسيًا، وهو ما ترفضه الجزائر رفضًا قاطعًا. الموقف الجزائري واضح وثابت شروط أي تطبيع مع المغرب معروفة، وقد جرى التأكيد عليها بقوة من قبل وزير الخارجية رمطان لعمامرة عند إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية في 24 أغس...