سلط البرنامج الفرنسي Zone Interdite، الذي بث اليوم، الضوء على قضية حساسة ومثيرة للجدل تتعلق بالفوسفات المستخرج من المغرب ومن الصحراء الغربية. وراء هذا المورد الأساسي للزراعة العالمية، تكمن حقيقة مقلقة. إذ كشفت التحقيقات أن هذا الفوسفات يحتوي على نسب عالية من الكادميوم، وهو معدن ثقيل سام يهدد صحة الإنسان والبيئة. ورغم المخاطر المثبتة، تواصل الدول الأوروبية استيراده بكميات كبيرة، مستفيدة من أسعاره التي لا تقبل المنافسة. ولكن بأي ثمن حقيقي؟
الفوسفات: عنصر أساسي... وخطر خفي
الفوسفات مورد حيوي للزراعة، حيث يُستخدم بشكل رئيسي في إنتاج الأسمدة، مما يجعله ضروريًا لنمو المحاصيل وضمان الأمن الغذائي العالمي. ويسيطر المغرب، مع الصحراء الغربية، على أكثر من 70% من احتياطيات الفوسفات العالمية، مما يمنحه موقعًا مهيمنًا في السوق الدولية، خصوصًا في أوروبا، حيث يعتمد المزارعون بشكل كبير على الأسمدة الرخيصة للبقاء في المنافسة.
لكن تحقيق Zone Interdite كشف أن الفوسفات المغربي يحتوي على نسب مرتفعة من الكادميوم، وهي مادة صنفتها منظمة الصحة العالمية (WHO) كمادة مسرطنة. هذا المعدن الثقيل يمكن أن يلوث التربة والمياه، وينتقل إلى السلسلة الغذائية، مما يشكل مخاطر طويلة الأمد على صحة الإنسان والبيئة.
الكادميوم: سم بطيء
يعد الكادميوم معدنًا ثقيلًا شديد السمية. وعند استخدامه في الأسمدة، فإنه يتراكم في التربة ويتم امتصاصه من قبل النباتات. وعبر السلسلة الغذائية، يدخل جسم الإنسان، مما يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، مثل:
- السرطان: يرتبط التعرض للكادميوم بزيادة خطر الإصابة بالسرطان، وخاصة في الرئة والكلى.
- أمراض الكلى: يسبب التعرض المزمن للكادميوم تلف الكلى ويقلل من قدرتها على تصفية السموم.
- هشاشة العظام: يؤثر الكادميوم على استقلاب الكالسيوم، مما يؤدي إلى ضعف العظام وزيادة خطر الكسور.
- التسمم البيئي: يؤدي وجود الكادميوم في التربة إلى اضطراب النظم البيئية وتقليل التنوع البيولوجي.
ورغم أن القوانين الأوروبية تفرض حدودًا صارمة على تركيز الكادميوم في الأسمدة، إلا أن تحقيق Zone Interdite يسلط الضوء على مفارقة خطيرة: الفوسفات المستورد من المغرب غالبًا ما يتجاوز هذه الحدود، ومع ذلك، لا يتم تطبيق قيود كافية لوقف استخدامه.
لماذا تستمر أوروبا في استيراد هذا الفوسفات السام؟
رغم المخاطر الصحية والبيئية، تظل أوروبا السوق الرئيسية للفوسفات المغربي. وهناك عدة عوامل تفسر هذا الوضع:
أسعار لا تقبل المنافسة: يُباع الفوسفات المغربي بأسعار منخفضة جدًا، بفضل تكاليف الاستخراج المنخفضة والدعم الحكومي المغربي المقدم لقطاع التعدين.
الاحتكار المغربي: بفضل احتياطياته الضخمة، يُعد المغرب لاعبًا أساسيًا في السوق العالمية. وتُعتبر البدائل، مثل الفوسفات المستخرج من روسيا أو الولايات المتحدة، أكثر تكلفة وأقل سهولة في الوصول.
اعتماد الزراعة الأوروبية: المزارعون الأوروبيون، الذين يواجهون ضغوطًا اقتصادية شديدة، يفضلون الأسمدة الرخيصة لتقليل تكاليف الإنتاج، مما يدفعهم لتجاهل مصدر وجودة الفوسفات المستخدم.
ضعف القوانين التنظيمية: رغم أن الاتحاد الأوروبي على دراية بالمشكلة، إلا أن الإجراءات الرامية إلى خفض مستويات الكادميوم في الأسمدة ما زالت خجولة، وغالبًا ما يتم التغاضي عن تطبيقها.
قضية أخلاقية وسياسية: الفوسفات من الصحراء الغربية
أبرز التحقيق أيضًا الجدل حول مصدر هذا الفوسفات، حيث إن جزءًا كبيرًا منه يتم استخراجه من الصحراء الغربية، وهي منطقة يحتلها المغرب منذ عام 1975 وتُعتبر من قبل الأمم المتحدة إقليمًا غير متمتع بالحكم الذاتي. واستغلال الفوسفات في هذه المنطقة يثير انتقادات حادة، حيث يتم على حساب السكان الصحراويين الذين لا يحصلون على أي فوائد من موارده الطبيعية.
تُدين العديد من المنظمات الدولية هذا الاستغلال باعتباره انتهاكًا للقانون الدولي. ومع ذلك، تواصل الشركات الأوروبية استيراد الفوسفات من هذه المنطقة دون مراعاة للتداعيات الأخلاقية، مستفيدة فقط من أسعاره المنخفضة.
هل هناك بدائل؟
في ظل هذه الظروف، تدعو العديد من الأصوات إلى التحول نحو حلول أكثر استدامة ومسؤولية. ومن بين البدائل الممكنة:
- إعادة تدوير الموارد المحلية: يمكن استخدام النفايات العضوية لإنتاج الأسمدة، مما يحد من الاعتماد على الفوسفات المستورد.
- فرض معايير صارمة: يمكن للاتحاد الأوروبي وضع حدود أقل لمستويات الكادميوم في الأسمدة وحظر استيراد الفوسفات غير المطابق للمعايير.
- تنويع الموردين: يمكن للدول الأوروبية البحث عن مصادر أخرى للفوسفات، حتى لو كانت أكثر تكلفة، لتقليل الاعتماد على المغرب.
الخاتمة: خيار بين الربح والصحة العامة
يُقدم الفوسفات المغربي على أنه حل اقتصادي للمزارعين الأوروبيين، لكنه في الواقع يمثل حصان طروادة سامًا. فمع احتوائه على الكادميوم، يشكل تهديدًا للصحة العامة والبيئة، بينما يغذي في الوقت ذاته انتهاكات أخلاقية مرتبطة باستغلال موارد الصحراء الغربية.
أمام هذه الحقائق، يجب على صناع القرار الأوروبيين الاختيار بين الاستمرار في سياسة قصيرة المدى مدفوعة بالأسعار المنخفضة، أو الانتقال إلى ممارسات أكثر احترامًا للصحة والبيئة. بات من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية السكان والحفاظ على التربة الأوروبية، مع إرسال رسالة واضحة ضد الانتهاكات الأخلاقية المتعلقة باستغلال الموارد الطبيعية.
بلقاسم مرباح
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
التسميات
الصحراء الغربية المغرب- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
تعليقات
إرسال تعليق