التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ريتايو يقع في فخ نصبه لنفسه: عندما يتحول السعي وراء الإثارة إلى فشل دبلوماسي

القضية الأخيرة التي تورط فيها وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، والمحاولة الفاشلة لترحيل ناشط يُدعى "بوعلام" إلى الجزائر، لم تجعل فرنسا محل سخرية، بل كشفت عن وزير مهووس بالعرض الإعلامي. وراء التصريحات النارية والتهديدات المبطنة ضد الجزائر، تكمن حقيقة أكثر إحراجًا: فشل سياسي ودبلوماسي orchestré من قبل رجل يسعى لاستغلال ملف حساس لجذب الانتباه.


"إهانة" تخص ريتايو وحده

محاولة برونو ريتايو تصوير هذا الحدث على أنه "إهانة لفرنسا" أقرب إلى محاولة لإخفاء ارتباكه الخاص. في الواقع، الجزائر لم "تهين فرنسا"، لكنها رفضت ببساطة الاستجابة لمبادرة متسرعة ومثيرة للجدل قانونيًا. إعادة الناشط إلى فرنسا بعد بضع ساعات فقط من بقائه على مدرج مطار الجزائر ليست سوى نتيجة منطقية لقرار أحادي الجانب سيئ التخطيط والتنفيذ.

ما وصفه ريتايو بـ"الفشل" لفرنسا هو في الحقيقة انعكاس لوزير لم يقم بحساب تداعيات تصرفه. الجزائر، برفضها لهذه المحاولة، ذكّرت فرنسا بأن العلاقات الثنائية لا يمكن اختزالها في أوامر أحادية الجانب، خاصة إذا كانت تنطوي على انتهاكات للإجراءات القانونية.

وزير يبحث عن الأضواء

منذ توليه منصبه، برز ريتايو بخطاب شعبوي ولهجة تركز على الحزم، خصوصًا فيما يتعلق بالأمن والهجرة. في هذا السياق، بدا ترحيل "بوعلام" فرصة مثالية لإظهار عزمه، لكن المبادرة تحولت إلى استعراض للضعف.

بدلاً من الاعتراف بمسؤوليته، اختار ريتايو تحويل الأنظار باستخدام كلمات تحريضية على وسائل التواصل الاجتماعي، داعيًا إلى "ردود حازمة" ضد الجزائر ومهددًا باستخدام أدوات مثل قيود التأشيرات. هذا الخطاب لا يهدف إلى حماية المصالح الفرنسية بقدر ما يهدف إلى تعزيز صورة وزير يتخيل نفسه رجلاً قويًا، حتى لو كان ذلك على حساب العلاقات الحساسة بين باريس والجزائر.

إدارة متسرعة وكارثية

أحد الجوانب الأكثر إثارة للقلق في هذه القضية هو الارتجال الذي أدار به ريتايو الملف. وفقًا للمعلومات الصحفية، كان من المقرر بالفعل محاكمة "بوعلام" في فبراير المقبل، وكان يقيم بشكل قانوني في فرنسا. وضعه في مركز احتجاز إداري ثم ترحيله على عجل يُظهر نية واضحة للتحايل على القضاء وتحويل هذه القضية إلى مكسب سياسي.

هذه العجلة لم تغب عن أنظار الصحافة الفرنسية والجزائرية، التي سلطت الضوء على الأخطاء القانونية المرتكبة. ما كان من المفترض أن يكون استعراضًا للقوة تحول إلى درس دبلوماسي لن ينساه ريتايو قريبًا.

تأثير محدود، ولكن توترات متزايدة

على الرغم من أن هذا الحادث ليس له تأثير فوري على العلاقات الفرنسية-الجزائرية، إلا أنه يساهم في تصعيد التوترات. منذ أشهر، شهدت العلاقات بين البلدين خلافات حول قضايا حساسة، خصوصًا تلك المتعلقة بالهجرة والذاكرة الاستعمارية. موقف ريتايو، بدلًا من تهدئة هذه التوترات، قد يزيد من تعقيد الحوار الثنائي.

خاتمة: درس في التواضع لريتايو

من خلال محاولته تحويل قضية إدارية إلى ورقة سياسية، لم يفشل برونو ريتايو فحسب، بل كشف أيضًا عن حدوده. هذه "الإهانة"، التي حاول تحميلها للجزائر، لم تسفر إلا عن إبراز قصور وزير مهتم أكثر برؤيته الشخصية من المصالح الحقيقية لبلاده.

بدلاً من إطلاق تصريحات مبالغ فيها، يجدر بريتايو أن يستخلص الدروس من هذه الحادثة: الدبلوماسية وإدارة القضايا الحساسة لا يمكن اختزالها في عمليات دعائية. في النهاية، فرنسا لم تُضعف، بل وزير وقع في فخ نصبه لنفسه. 


بلقاسم مرباح

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون

  سيدي الرئيس، أتمنى أن تصلكم هذه الرسالة و أنتم بصحة جيدة. أكتب إليكم اليوم بقلب مثقل لأعبر عن قلقي العميق واستيائي لوجود أكثر من 1.2 مليون مغربي في أرض الجزائر الطاهرة. كمواطن مسؤول ومعني ، أشعر أنه من واجبي أن أوجه انتباهكم إلى هذا الأمر. أود أولاً أن ألفت انتباهكم إلى الروابط بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمغرب.  لقد تم الكشف أن الموساد يجند بشكل كبير في الجالية المغربية في فرنسا. هل لدينا ضمانة أن الكيان الصهيوني لا يفعل الشيء نفسه في الجزائر؟ هذه القضية مصدر كرب وإحباط لمواطني بلادنا الذين يفقدون الأمل في التمثيلية الوطنية التي يفترض أن تدافع عن المصلحة العليا للوطن. لماذا يجب أن نبقي على أرضنا رعايا دولة معادية؟ لماذا لا نعيد هؤلاء إلى وطنهم لتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لبلد يتآمر ضد مصالحنا ويغرق بلدنا بأطنان من المخدرات؟ لماذا يجب أن نتسامح مع وجود اليوتيوبرز المغاربة في الجزائر الذين يسخرون يوميا من الشعب الجزائري؟ لماذا لا تفرض الدولة الجزائرية تأشيرة دخول على هذا البلد العدو لمراقبة التدفقات السكانية بشكل أفضل بين الجزائر والمغرب؟ نعتقد أن الجزائر يجب أ...

نداء لطرد المغاربة المقيمين بشكل غير قانوني في الجزائر

وقع على العريضة إذا كنت توافق https://www.mesopinions.com/petition/politique/appel-solennel-expulsion-marocains-situation-irreguliere/232124   السيد الرئيس، أيها المواطنون الأعزاء، نحن نواجه وضعًا حرجًا يتطلب استجابة حازمة وحاسمة. إن وجود أكثر من 1.2 مليون من المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني على أراضينا يشكل تهديدًا للأمن القومي، والاقتصاد، والتماسك الاجتماعي لبلدنا. يجب علينا أن نتحرك بعزم لحماية أمتنا وضمان مستقبل آمن ومزدهر لجميع الجزائريين. الأمن القومي في خطر تم الكشف عن وجود علاقات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمغرب. وتشير التقارير إلى أن الموساد يقوم بتجنيد واسع النطاق في الجالية المغربية، لا سيما في فرنسا. لا يمكننا استبعاد إمكانية حدوث أنشطة مشابهة على أرضنا، مما يهدد أمننا القومي. كدولة ذات سيادة، لا يمكننا التسامح مع وجود أفراد يمكن أن يعرضوا أمننا واستقرارنا للخطر. التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية تشكل تدفقات العملة الصعبة بشكل غير قانوني نحو تونس ليتم تحويلها إلى المغرب عبر البنوك المغربية هروبًا غير مقبول لرؤوس الأموال. بالإضافة إلى ذلك، فإن تورط بعض أعضاء ...

ما هي المشاكل بين الجزائر والمغرب ؟ لماذا لن يتم استعادة العلاقات مع المغرب ؟ ولماذا لا تقبل الجزائر أي وساطة مع المغرب ؟

في 24 أغسطس 2021، اتخذت الجزائر قرارًا تاريخيًا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، الذي واصل القيام بأعمال عدائية وغير ودية وخبيثة ضد بلدنا منذ استقلال الجزائر. في هذا المقال لن نتطرق للخيانات المغربية العديدة والممتدة عبر الازمنة و كذلك التي طالت الجزائر قبل الاستقلال (-اختطاف طائرة جبهة التحرير الوطني - خيانة الأمير عبد القادر - قصف مآوي المجاهدين الجزائريين من قاعدة مراكش الجوية - مشاركة المغاربة في مجازر سطيف، قالمة وخراطة عام 1945. الخ)، لأن الموضوع يستحق عدة مقالات ولأن الأفعال الكيدية عديدة، ولا يتسع المجال لذكرها، ومنذ وصول السلالة العلوية عام 1666 في سلطنة مراكش وفاس وهو الاسم الحقيقي للمملكة، قبل أن يقرر الحسن الثاني تغيير اسمها الرسمي بالاستيلاء دون وجه حق، عام1957(بينما كانت الجزائر تحارب الاستدمار الفرنسي) على اسم منطقة شمال إفريقيا: "المغرب" والذي يشمل كل من تونس و ليبيا والجزائر وموريتانيا والصحراء الغربية وسلطنة فاس ومراكش. 1ــ بماذا تتهم الجزائر المغرب؟ للإجابة على هذا السؤال ودون الخوض فى الخيانات المغربية العديدة قبل استقلال الجزائر، فإن الوثيقة الأكثر ا...