ثلاثة من المؤثرين الجزائريين، الذين يُعدون من أبرز الشخصيات على وسائل التواصل الاجتماعي، يجدون أنفسهم اليوم في قلب عاصفة قضائية في فرنسا. السبب؟ تصريحات وُصفت بأنها غير قانونية على المنصات الرقمية. لكن هذه القضية تتجاوز مجرد تطبيق القانون؛ فهي تكشف عن عدالة مزدوجة المعايير، واستغلال سياسي صارخ، ورغبة واضحة في إسكات مجتمع يتعرض باستمرار للوصم والاستهداف.
استهداف منهجي لجالية تحت المجهر
منذ عقود، والجالية الجزائرية في فرنسا تعامل ككائن تحت المجهر، تُحلل أفعاله وأقواله وتُستغل لتبرير أزمات فرنسا الاجتماعية والاقتصادية. هذا التركيز المفرط ليس صدفة، بل هو نتيجة استراتيجية مدروسة تنتهجها القوى السياسية العاجزة عن مواجهة أزماتها الداخلية. فمن خلال تحويل الأنظار نحو "الآخر" – الجزائري تحديداً – تُحاول هذه النخب صرف الانتباه عن إخفاقاتها.
في يومنا هذا، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة جديدة لهذه الاستراتيجية، حيث يُضخم كل زلة لسان أو تصريح مثير للجدل لشخصية جزائرية ويُستخدم كوقود لإشعال نيران الكراهية والانقسام. وبطبيعة الحال، فإن المؤثرين، بصفتهم أصحاب تأثير واسع، أصبحوا أهدافاً رئيسية لهذا الهجوم المنظم.
عدالة مزدوجة المعايير: حقيقة الانحياز الواضح
تدّعي العدالة الفرنسية أنها محايدة، لكن الواقع يروي قصة مختلفة. الملاحقات القانونية ضد هؤلاء المؤثرين الجزائريين، رغم أنها قد تبدو قانونية ظاهرياً، إلا أنها تأتي في سياق يكشف عن تباين واضح في المعاملة بناءً على الهوية.
بعض الأمثلة الصارخة:
- شخصيات عامة ومؤثرون فرنسيون أدلوا بتصريحات عدائية، بل ومهددة ضد الجالية الجزائرية، دون أن تُحرك العدالة ساكناً.
- المدافعون عن الحقوق الفلسطينية في فرنسا تعرضوا لتهديدات متكررة، ولم تواجه الجهات التي هددتهم أي تبعات قانونية، رغم مخالفتها الصريحة للقانون.
هذه الحالات تُبرز حقيقة مؤلمة: في فرنسا، لا يتمتع الجزائريون والداعمون لقضاياهم بنفس الحماية القانونية التي تُمنح لغيرهم. هذا التفاوت ليس مجرد مسألة قانونية، بل هو وصمة عار تُلقي بظلالها على قيم الجمهورية الفرنسية.
استغلال سياسي: مناورة مُتعمَّدة
لا يجب أن نخدع أنفسنا. هذه الملاحقات القضائية ليست مجرد تطبيق للقانون، بل هي جزء من لعبة سياسية أكبر تهدف إلى تهميش الصوت الجزائري وجعله غير مسموع أو، الأسوأ، تحويله إلى رمز سلبي في خطاب متشدد.
صعود اليمين المتطرف في فرنسا فرض سباقاً نحو التطرف السياسي، حيث تسعى القوى التقليدية لمواكبة الخطاب القومي المتشدد لكسب أصوات الناخبين. وفي هذا السياق، أصبح الجزائريون – ومن خلفهم المسلمون – الهدف المثالي. والحكومة الفرنسية، التي تفتقر إلى حلول للأزمات الداخلية، لم تتردد في ركوب موجة هذا الخطاب الشعبوي، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة المجتمع.
المؤثرون: بين حرية التعبير والفخاخ المنصوبة
يتحرك المؤثرون الجزائريون في فضاء مليء بالألغام. صوتهم القوي الذي يصل إلى الآلاف أو الملايين بات يشكل تهديداً لنظام يسعى للسيطرة الكاملة على الخطاب العام. لكن هذه القوة تأتي مع مسؤولية كبيرة.
في بيئة يمكن فيها تحريف أي كلمة أو استخدامها ضدهم، يحتاج هؤلاء المؤثرون إلى الحكمة والحذر. ومع ذلك، لا ينبغي أن تُترجم هذه الحيطة إلى تخلي عن حرية التعبير. يجب أن يستمروا في فضح الظلم والدفاع عن قضاياهم، ولكن بعقلانية وبطريقة لا تمنح خصومهم الفرصة لتشويه صورتهم.
دعوة إلى مسؤولية جماعية
في مواجهة هذه الهجمات المتكررة، لا مجال للاستسلام. يجب علىالجالية الجزائرية في فرنسا أن تبقى صامدة، متماسكة، ومدركة لأهمية الدفاع عن حقوقها. حرية التعبير ليست امتيازاً يُمنح للبعض ويحجب عن الآخرين؛ إنها حق أساسي يجب أن يكون متاحاً للجميع دون تمييز.
وعلى العدالة الفرنسية أن تعيد النظر في دورها: هل يجب أن تكون أداة للمناورات السياسية؟ أم أنها يجب أن تظل عماداً للحياد والإنصاف؟ استمرار هذا الانحياز الظاهر لن يؤدي إلا إلى تعزيز الشعور بالتهميش وزعزعة الثقة في مؤسسات الدولة.
خاتمة: وقت الكرامة والحزم
القضايا المرفوعة ضد هؤلاء المؤثرين الجزائريين ليست مجرد ملفات قضائية؛ إنها انعكاس للانقسامات العميقة التي تعاني منها فرنسا. إنها تكشف عن استغلال سياسي خطير، حيث يُستخدم الجزائريون كوسيلة لتبرير الإخفاقات وإشعال النزاعات.
لكن الجالية الجزائرية ليست مجبرة على الخضوع لهذه اللعبة. عليها أن ترفع صوتها عالياً، أن تطالب بحقوقها، وأن ترفض الظلم. فالكرامة ليست خياراً، بل هي واجب.
أما المؤثرون، فعليهم أن يدركوا أن كلماتهم، رغم ما تحمله من قوة، يمكن أن تكون سلاحاً ذا حدين. إذا استُخدمت بحكمة ووعي، فإنها قادرة على زعزعة أركان الظلم وإلهام التغيير. وفي هذا الزمن، يحتاج العالم بشدة إلى أصوات حرة، مسؤولة وشجاعة.
بلقاسم مرباح
تعليقات
إرسال تعليق