تتسم العلاقة بين فرنسا والجزائر بتوترات متكررة، تعكس تاريخًا مشتركًا مليئًا بالصراعات. وتبرز هذه التوترات في النقاشات حول المساعدة العامة للتنمية (AFD) التي تقدمها فرنسا للجزائر. وفي سياق أزمة دبلوماسية متصاعدة، يتم استغلال هذه المساعدات من قبل بعض المسؤولين الفرنسيين، خاصة من اليمين واليمين المتطرف، كوسيلة ضغط. ومع ذلك، فإن تحليل الأرقام واستخدامات هذه المساعدات يكشف عن واقع مختلف تمامًا عن الخطابات السياسية.
مساعدات تُعتبر هامشية من منظور الجزائر
وفقًا لمصادر جزائرية نقلتها عدة وسائل إعلام، فإن المساعدة العامة للتنمية الفرنسية لا تعود بالنفع فعليًا على الدولة الجزائرية. في عام 2022، بلغت قيمة هذه المساعدة حوالي 132 مليون يورو، وبلغ مجموعها خلال خمس سنوات نحو 600 مليون يورو، وفقًا لتقرير نشرته France Info استنادًا إلى تقارير برلمانية. وعلى الرغم من أن هذه الأرقام تبدو ضخمة، إلا أن الحقيقة تكشف أنها خادعة.
تشير التقارير إلى أن أكثر من 90% من هذه المساعدة يُخصص لما يُعرف بـرسوم التعليم، وهي الأموال التي تُمنح للجامعات والمدارس الفرنسية لتغطية تكاليف تعليم الطلاب الجزائريين. أما النسبة المتبقية، فهي تُستخدم لدعم أنشطة المنظمات غير الحكومية الفرنسية في الجزائر. وتُظهر هذه التفاصيل أن المساعدات تهدف بشكل أساسي إلى تعزيز مصالح فرنسا بدلاً من دعم التنمية الحقيقية في الجزائر. وقد وصفت مصادر جزائرية هذه المساعدة بأنها "خدعة كبيرة"، مؤكدة أنها "لا تدخل خزائن الدولة الجزائرية"، بل تُستخدم لدعم النفوذ الفرنسي في البلاد.
تسييس القضية في فرنسا
لطالما تم تسييس قضية المساعدات الفرنسية للجزائر من قِبل جهات سياسية. ففي خريف العام الماضي، زعمت النائبة الأوروبية عن حزب Reconquête، سارة كنافو، أن فرنسا تقدم 800 مليون يورو سنويًا للجزائر، ما أثار جدلًا واسعًا. لكن وسائل إعلام فرنسية موثوقة أوضحت بسرعة أن هذا الرقم يُمثل مجموع المساعدات خلال أكثر من خمس سنوات. ومع ذلك، تواصل بعض الشخصيات السياسية الفرنسية، مثل وزير الداخلية برونو ريتايو، استخدام هذه القضية كوسيلة ضغط على الجزائر.
مساعدات تخدم المصالح الفرنسية
تعكس طبيعة المساعدة الفرنسية للجزائر حقيقة واضحة وهي أن هذه المساعدة تخدم المصالح الفرنسية بالدرجة الأولى. فمن خلال تمويل تعليم الطلاب الجزائريين في فرنسا، ودعم أنشطة المنظمات غير الحكومية الفرنسية، وتعويض الخبراء والمكاتب الاستشارية الفرنسية، تضمن فرنسا استمرار نفوذها الاقتصادي والثقافي في الجزائر. كما أن هذه المساعدات تُعد استثمارًا يُسهم في تأمين عقود وفرص اقتصادية لصالح الشركات الفرنسية.
التداعيات والتحديات المستقبلية
يثير الجدل حول المساعدة العامة للتنمية العديد من القضايا الدبلوماسية والاقتصادية والرمزية. فمن جهة، يعكس هذا الجدل استمرار العلاقات غير المتوازنة بين فرنسا والجزائر. ومن جهة أخرى، يظهر بوضوح رغبة بعض الأطراف السياسية في فرنسا باستخدام الأدوات المالية كوسائل ضغط في العلاقات الدولية.
ولكن، بالنظر إلى طبيعة هذه المساعدات واستخداماتها، فإن تقليصها أو وقفها لن يكون له تأثير كبير على الجزائر. وفي المقابل، قد يؤدي ذلك إلى إضعاف الموقف الاستراتيجي لفرنسا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، كما قد يؤثر سلبًا على سمعتها أمام الجالية الجزائرية والدول المجاورة.
خاتمة
إن المساعدة الفرنسية للتنمية الموجهة للجزائر قضية حساسة يتم توظيفها سياسيًا بشكل متكرر. لكن خلف الأرقام والخطابات السياسية تكمن ديناميكيات معقدة تتطلب تحليلًا دقيقًا بعيدًا عن التحيز. ومن المهم أن تأخذ النقاشات حول هذه المسألة بعين الاعتبار المصالح المشتركة، مع التركيز على بناء علاقات مستقبلية أكثر توازنًا واستقرارًا بين فرنسا والجزائر، بما يضمن مصلحة الطرفين واستقرار المنطقة بأكملها.
بلقاسم مرباح
تعليقات
إرسال تعليق